إن مهمّة تربية طفل بهائي كما تؤكّده مرارًا وتكرارًا النّصوص المباركة البهائيّة إنّما هي مسؤوليّة الأمّ الرّئيسية – والتي منحت هذا الامتياز الفريد – وهي في الواقع خلق أوضاع في بيئتها تؤدّي إلى تقدّم الطّفل وتحسين أحواله من النّاحية المادّيّة والرّوحيّة، فالتّوجيه الّذي يتلقّاه الطّفل في بدء حياته من أمّه يشكّل أقوى أساس لتطوّره في المستقبل وعلى ذلك ينبغي أن يكون الشّغل الأسمى الشّاغل لزوجتك... السّعي من الآن في أن تنقل إلى وليدها الجديد توجيهًا روحانيًّا يمكّنه فيما بعد أن يأخذ على عاتقه مسؤوليّة إيفاء واجبات الحياة البهائيّة على أكمل وجه
من رسالة كتبت بالنّيابة عن حضرة وليّ أمر الله موجّهة إلى أحد الأحبّاء بتاريخ 16 تشرين الثّاني 1939
ترتكز الأم في تقرير برنامجها اليومي بشكل خاص واتجاه نشاطاتها الإجتماعية ومسؤولياتها الأسرية بشكل عام على أساس تنازلي من حيث الأهم أولا فالمهم ثم ما هو أقل أهمية؛ وغالبا ما يكون الإهتمام بتربية الطفل روحانيا في ذيل جدول المهام اليومية وليس على رأسها. من السهولة جدا أن تشغلنا المسؤوليات المتباينة التي تمتلأ بها جدولنا اليومي عن أهم مسؤولياتنا وهي كما يحددها حضرة ولي أمرالله "تربية طفل بهائي". ما يحدث غالبا هو أن تؤجل الأم الزمن الذي تتمناه بأن تقضيه مع طفلها إلى وقت لاحق في اليوم نفسه، ثم يطرأ طارئ يضطرها إلى تأجيل تلك الساعة مع طفلها إلى وقت لاحق آخر في اليوم نفسه ثم إلى وقت لاحق في اليوم التالي واليوم الذي يتلوه دون أن تجد أبدا وقت الفراغ الذي تنشده وتهفو إليه نفسها. وهكذا تستمر الأم في خضم مشاغلها اليومية بتأجيل هذا الوقت إلى أن تجد فجأة طفلها وقد أصبح شابا يافعا يسهل على الأم من جهة التغاضي عن أهمية هذا الوقت مع طفلها لأنها تعتقد أن هذا الوقت مهم لها ويعكس ما في أعماق أمومتها من احتياج للتواجد مع طفلها ولهذا تقنع نفسها بأن التضحية التي تقوم بها من أجل القيام بهذا العمل أو ذاك في قائمة مسؤلياتها ما هي إلا حلقة أخرى في سلسلة تضحياتها الشخصية وعطائها اللامحدود. بينما في الواقع ما تقوم به الأم هنا هو التضحية بأشد مايحتاج إليه طفلها وبما هو حق شرعي له؛ بمعنى آخر فإن الأم تضحي هنا بما لا تملكه في الأصل بل بما يملكه طفلها: فهذا الوقت الذي تمنحه لهذا وذاك هو في الواقع وقته وليس وقتها الشخصي ولكن بما أنه صامت لا يستطيع الإعتراض بلغة واضحة لذا تظنه راضيا في خضم ضجيج المسؤوليات الذي يرتفع صداه في ساعات يومها ومن جهة أخرى، تُرسم للطفل في السنين الأولى من عمره حدودا ضيقة ترتكز غالبا في توفير المأكل والملبس والحماية له؛ لذا يسهل تهميشه في الحيز العام الذي يكون مليئا بالأحداث والعلاقات والمسؤوليات والمناسبات الحزينة والسعيدة. إعتقاد الأم بأن طفلها يمتلك كل ما يحتاج إليه إن تكفّلت بمأكله ومشربه وملبسه يؤدي بها إلى تجاهله ونسيانه رغم أنها في الظاهر تكون معه؛ فتسحبه معها إلى حيزها الملئ بالمسؤوليات وتفرض عليه التجمد والإنتظار والبقاء في هذا الحيز إلى أن يحين موعد نومه أو أن توفر له حيزا بديلا في مشاهدته للتلفزيون، وغالبا ما تفضل الأم هذا الحيز البديل على أن يرافقها طفلها إلى حيز انشغالاتها ومسؤولياتها. في أحيان أخرى تضطر الأم اللجوء إلى من ترضى برعاية طفلها لساعات محددة قد تزيد وقد تنقص على حسب جدول برامجها ومشاريعها وتعتبره حلا مناسبا ومرضيا. غير أنه في جميع هذه الحالات لا تمنح الأم لطفلها ما يحتاج إليه وجوده الإنساني في هذه المرحلة الإبتدائية جدا في حياته وهي تربيته الروحانية تستطيع كل أم أن تساهم إيجابيا في تغيير المفاهيم الإجتماعية التي تحيط بها وترسم لها خارطة أمومتها واتجاه مسؤولياتها بالخارطة التي رسمها لها حضرة ولي الأمر شوقي رباني وهي " تربية طفل بهائي" من خلال إحداث تغيير جذري لموضعية طفلها من ذيل جدول برامجها اليومية إلى مركزيته. بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن تعتكف في البيت وتعتزل وظائفها الإجتماعية كعضو منتج وفعاّل، بل العكس صحيح، فهي تستمر في العطاء ولكن دون التضحية بطفلها وتطوره الروحاني. ومن أحد الطرق العملية التي تنجح فيها الأم بإحداث هذا التغيير في المفاهيم الإجتماعية التي تحدد خارطة وظائفها اليومية هو أن تغيّر هي من مفاهيمها الشخصية أولا. تكمن المعضلة الزمنية في إيجاد الوقت المناسب للقضاء مع طفلها هو امتلاء جدول مهامها اليومية إلى حافته وعدم وجود وقت فراغ تستغله للتواجد معه؛ في حين أن تربيته الروحانية تتطلب وقتا أساسيا يقع في صميم خارطتها الزمنية وليس وقت فراغٍ إضافي مستقطع من هامش خارطتها الزمنية. تغيير هذا المفهوم الشخصي حول ماهية الوقت الذي تمنحه الأم لطفلها يؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية في حيثية برامجها اليومية بشكل خاص ونشاطاتها الشخصية والإجتماعية بشكل عام |