الملكات الروحانيّة
أن ابذلوا قصارى الجهود في اكتساب الكمالات الظّاهريّة والباطنيّة لأنّ ثمرة سدرة الإنسان هي الكمالات الظّاهريّة والباطنيّة، فالإنسان دون العِلم والفنّ غير مرغوب فيه، ولم يزل مَثَله كَمِثْل أشجار
بلا ثمر، لذا يجب أن تزيّنوا سدرة الوجود على قدر المستطاع بأثمار العلم والعرفان والمعاني والبيان
حضرة بهاءالله، كتيب التربية والتعليم ص8
من أحد أهم الوظائف الأساسية التي تقع على عاتق الوالدين هي تربية الملكات الروحانية في وجودية طفلهما. بطبيعة الحال بما أن عالم الروح عالم واسع لا تحده زمان أو مكان فإن الملكات الروحانية تعكس أيضا وسعة هذا العالم التي تختص به، يتفضل حضرة عبدالبهاء بأن " الكمالات الإلهيّة لا تتناهى" (كتيب التربية والتعليم، ص19). ولهذا لا نستطيع أن ندعي يوما بأننا تعلمنا كل الملكات الروحانية في هذا الوجود أو أن ذاتيتنا تجسد جميع الملكات الروحانية. وكما أن حياتنا في هذا العالم هي رحلة أبدية صوب اكتساب الملكات الروحانية كذلك هي الحال بالنسبة لطفلنا ولكن باختلاف بسيط، فالطفل في السنوات الإبتدائية من حياته لا يستطيع القيام بهذه الرحلة لوحده ولهذا فهو غير قادر وغير مسؤول عن اكتساب هذه الملكات بل تقع مسؤولية تربيته على عاتق والديه. يتفضل حضرة بهاءالله "إنّ ما يلزم الأطفال في الدّرجة الأولى والمقام الأوّل، هو تلقينهم كلمة التّوحيد والشّرائع الإلهيّة، فمن دون ذلك لا تستقرّ خشية الله وفي فقدانها تظهر أعمال مكروهة غير معروفة وأقوال رديئة لا عدّ لها... يجب على الآباء أن يسعوا كمال السّعي في تديّن أولادهم فإن لم يفز الأولاد بهذا الطّراز الأوّل، أدّى ذلك إلى الغفلة عن طاعة الأبوين، الّتي هي في مقام طاعة الله فمثل هذا الولد لا يعود يبالي أبدًا ويفعل بأهوائه ما يشاء" (كتيب التربية والتعليم، ص9). تربية الملكات الروحانية تحمل في طياتها مضمونا أعمق بكثير من تربية طفلنا على عدم الكذب مثلا أو عدم أخذ ما ليس له
إن تربية الملكات الروحانية كما يتفضل حضرة عبدالبهاء تعني أن يصير طفلنا الإنسان " جوهر الجواهر ونور الأنوار وروح الأرواح ومركز السّنوحات الرّحمانيّة ومصدر الصّفات الرّوحانيّة ومشرق الأنوار الملكوتيّة ومهبط الإلهامات الرّبانيّة" (كتيب التربية والتعليم، ص19). لذا لا يكفي ان نربي طفلنا على عدم الكذب، بل يقع على عاتقنا مسؤولية تنمية وتربية ملكة الصدق في عمق أعماق ذاتيته الإنسانية. فعلى سبيل المثال "حاسب نفسك في كل يوم من قبل أن تحاسب" تحتاج إلى ملكة الصدق، " إِنْ تُحِبَّ نَفْسي فَأَعْرِضْ عَنْ نَفْسِكَ" تحتاج إلى ملكة الصدق للإجابة على هذا السؤال: هل أحب نفسي أكثر
أم نفس حضرة بهاءالله، " أَنْتَ مُلْكِي وَمُلْكِي لا يَفْنى. كَيْفَ تَخافُ مِنْ فَنائِكَ" تحتاج إلى ملكة الصدق لمعرفة مدى ثقتنا بحضرة بهاءالله ، فهل نثق به حقا أم أننا نخاف فناءنا رغم تأكيده لنا بالخلود. هذه الأمثلة البسيطة ماهي إلا شعاع بسيط من فيض الأنوار التي يحتاج إليها طفلنا عند تربيتنا لملكاته الروحانية