إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الأُفُقُ الأَعْلَى خَالٍ مِنْ زُخْرُفِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّنَا تَرَكْنَا فِي خَزَائِنِ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ مِيرَاثَاً مَرْغُوبَاً لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ
197حضرة بهاءالله، كتاب عهدي، ص
يتفضل حضرة بهاءالله في كتابُ عهدي " إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الأُفُقُ الأَعْلَى خَالٍ مِنْ زُخْرُفِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّنَا تَرَكْنَا فِي خَزَائِنِ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ مِيرَاثَاً مَرْغُوبَاً لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ". السؤال الذي لا يتركني ليلا ولا نهارا هو تُرى ما هو هذا الكنز القيّم الذي ورثتُه عن حضرة بهاءالله والأهم من هذا وَرَثَهُ أيضا طفلي معي؟ جميعنا نشئنا على أساطير علي بابا ومغارة الكنز التي ذاق الهلاك من أجل الوصول إليها، أغلبنا أيضا يبحث عن الكنز في أشكاله المتعددة المختلفة في كل شأن من شؤون حياتنا المادية، فالبعض يعتبر ربح إحدى الصفقات المعينة كنزا، والبعض الآخر يعتبر الحصول على وظيفة معينة كنزا، والبعض يعتبر الفوز في اليانصيب كنزا،والبعض الآخر يعتبر امتلاكه لسيارة معينة كنزا و... وتكثر الكنوز وإن اختلفت أشكالها. و أغلبنا مثل علي بابا ،الذي تشكلت عليه محاور مخيلتنا منذ الطفولة، نقضي سنين العمر نزحف من مغارة إلى أخرى بحثا عن الكنز الذي ينتظر وصولنا له
أجلس في غرفة خاوية ليست بها سوى هذا الصندوق الضخم المغلق الذي يقبع أمامي بكل صمتٍ منتظرا أن تمتد إليه أصابعي لتسبر أغواره وتكتشف خيراته. أتخيل بأن هذا صندوق الكنز الذي تركه لي، أورثه لي، حضرة بهاءالله، أكبر مني ومن الغرفة ومن البيت ومن الحارة ومن الكون الذي يحيط بي، أتخيله يحتويني ويحتوي الكون الذي يحيط بي. لم أفعل شيئا ملموسا في حياتي لأستحق هذا الميراث ، في الواقع لم أكن حتى ملاكا ولو ليوم واحد فقط من أيام عمري الدنيوي، ومع ذلك أورثني حضرة بهاءالله كنزه برحمته وفضله. وتتقاذف بي أمواج الشوق لفتح صندوق الكنز، هذا الصندوق الذي كان دوما أمامي ولم أفكر في فتحه. أشغلني دوما عنه بحثي في المغارات أملا في إيجاد كنز علي بابا، وأشغلني عنه ظني الخاطئ بأن الكنز إن كان كنزا فبالحتم سيكون مُخبئا في مكان لا مرئي وبعيد، مثلا في إحدى المغارات، ولم يخطر بذهني يوما أن هذا الصندوق الذي أراه يوميا أمام بصري، وألمسه بيدي، ويفوح عبقة في أرجاء المنزل، والذي لم أجده ولم أبحث عنه بل وجدني هو ولازمني دهرا من الزمان بصمت وجلال يراقب انشغالي اليومي في الزحف من مغارة إلى أخرى، لم يخطر بذهني يوما بأن هذا الصندوق يحتوي الكنز الذي أبحث عنه منذ بداية تاريخي
وأقبع لساعات وساعات وساعات أمام هذا الكنز المغلق عليه في صندوقه، وأحتار في كيفية فتح الصندوق. أنا على يقين الآن بأن هذا الصندوق يحتوي على كنزي، على ذلك الميراث الذي ورثته عن حضرة بهاءالله والذي وصف عظمته بقوله " لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ". ماذا يجب علي أن أفعله كي أصل إلى كنزي، إلى ميراثي، لم أفعل شيئا لأستحقه ولم أفعل شيئا لأرثه، في الواقع لم أكن حتى أنظر إليه رغم أنه كان يقبع أمامي سنوات وسنوات وسنوات وينتظرني بصبروجلال. ولكن هأنذا أمامه وهأنذا اكتشفته مـتأخرة دهرا من الزمان عن اكتشافه لوجوديتي ، ولكني لا أعرف كيف أفتحه وكيف أصل إلى تلك الخيرات التي " لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ". وأتذكر المُلاّ حسين البشروئي، فقد صام وصلى أربعين يوما كي يهديه الله إلى محبوبه حضرة الباب. ويخطر بفكري وأنا أبحث عن طريقة لفتح صندوق الكنز الذي ورثته عن حضرة بهاءالله: ربما يجب علي أنا أيضا أن أصلّي وأصوم أربعين يوما مثل المُلاّ حسين، فبعد الأربعين يوما التي قضاها الملاحسين في العبادة، لم يجد هو حضرة الباب، بل إن حضرة الباب قد ذهب بنفسه إليه ووجده. ورغم أنني أضعت دهرا من الزمان بحثا عن كنزي الذي كان دوما أمام عيني، إلا أنني أشعر بأن انتظاري أربعين يوما دون أن أصل إلى هذا الذي أورثني إياه حضرة بهاءالله هو شئ يفوق قدراتي الإنسانية على الصبر والتحمل
كل جزء من أركان وجودي يرتعش شوقا للوصول إلى ميراث حضرة بهاءالله، وقلبي لم يعد يستطيع الإنتظار. وتتلاطم بي أمواج الحيرة في بحر هائج لا استقرار به، أورثني حضرة بهاءالله هذا الميراث دون أي استحقاق مني، وقد كان هذا الكنز ينتظرني بجلاء أمام عيني تاريخا من الزمان مترقباً أن تنقشع الغشاوة من على بصيرتي فأراه في جلاله ، ولكن لماذا إذاً يصعب عليّ فتح الصندوق وكل شئ من حوله يشير إلى أنني ورثته فضلا وليس استحقاقا. أين المفتاح؟ كيف يمكنني أن أصل إلى هذا الميراث الذي ورثتُه فضلا وليس استحقاقا؟ أذهب إلى الغرفة المجاورة وأنظر إلى طفلي الذي كان يلعب مع ألعابه في إحدى الزوايا، ومازال السؤال يتردد كضربات المطرقة على رأسي المتحير: أين المفتاح؟ هل يعقل أن ينتظرني هذا الميراث عمري كله لأكتشفه دون أن يصاحبه إرشادات حول كيفية إيجاد المفتاح؟ وتتمدد ضربات المطرقة لتحتل أرجاء كياني هل حقا يجب أن أصوم وأصلي مثل الملا حسين أربعون يوما؟ إذ ربما عندها سيجدني المفتاح بالفضل وأصل إلى ميراثي الذي ورثتُه أيضا فضلاً وليس استحقاقاً. وآخذ بيد طفلي وأذهب معه إلى الغرفة التي بها ميراثي وميراثه، وكل جزء من أركان وجودي يرتعش شوقا، فهذا الميراث يخصه أيضا، وإن نجحت بالفضل في إيجاد المفتاح وفتح الصندوق فسأحميه العمر كله من بحثٍ عبثيٍ في مغارات علي بابا الخاوية
لم يعد الميراثُ ميراثي لوحدي، بل ميراث طفلي الذي أرغب أن أمنحه الكون بما فيه من جمالية الوجود. أجلس صامتة ويد طفلي في يدي أمام صندق ميراثنا الكنز من حضرة بهاءالله، وتتملكني فكرةٌ واحدة وهي أن أبدأ مشواري في البحث عن المفتاح بالصلاة والصيام أربعين يوما مثل الملاحسين، وكلّي أملٌ أنه بعد انتهاء هذه الفترة فإن المفتاح سيجدني بالفضل ولن ينتظرني كي أجده. ويأخذني ذاكرتي إلى كيفية لقاء حضرة الباب بالملاحسين، وبينما تتلاطم أمواج فكري في بحور الشوق والتصميم وإذا بي أتذكر ما تفضل به حضرة بهاءالله في كتاب الأقدس " اتلوا آيات الله في كلِّ صباحٍ ومساء"، فأبدأ مع طفلي بتلاوة الآيات الإلهية. أجلس بخشوع، أمسك يد طفلي في يدي، وأغمض عيناي وأتلو من الكلمات الإلهية ، ويتلو طفلي من بعدي، أفتح عيني، أنظر إلى طفلي ثم أنظر إلى صندوق ميراثنا الكنز، و أجده مفتوحا ينتظرني بشوق يفوق شوقي كي اكتشف ما " لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ" مع طفلي
يُخبرنا حضرة بهاءالله في وصيته المباركة كتابُ عهدي بأنه ترك لنا "مِيرَاثَاً مَرْغُوبَاً لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ". هناك كنز تركه لنا حضرة بهاءالله وهذا الكنز ليس مخبئ في مغارةٍ من المغارات ، وهو ليس فقط لفرد واحد دون سائر البشر. ولهذا السبب يتقمصني سؤالي ليلاً ونهاراً : تُرى ما هو هذا الكنز القيّم الذي ورثتُه عن حضرة بهاءالله والأهم من هذا ورثَهُ أيضا طفلي معي؟ كوالدين يرغب كلٌ منا أن يمنح الكون بما فيه من جمالية الوجود إلى طفله، فألا نرغب أن نكتشف هذا الميراث الكنز الذي تركه لنا حضرة بهاءالله كي نهبه لطفلنا الذي لا ندخر وسعاً لنمنحه الكون وما فيه؟ ولكن وبالرغم من أن حضرة بهاءالله يبشرنا بأن الكنز الذي تركه لنا لهو ميراث مرغوب " لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ" إلا أننا نتابع زحفنا الإدماني من مغارة إلى أخرى غافلين عن صندوق الكنز الذي نملكه بين أيدينا وما علينا سوى أن نفتحه