فَضْلُ الإِنْسَانِ فِي الْخِدْمَةِ وَالْكَمَالِ
اجْتَنِبُوا التَّكَاهُلَ وَالتَّكَاسُلَ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَالَمُ مِنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ
حضرة بهاءالله، مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله نزلت بعد الكتاب الأقدس. ص 118
قد تكون المحبة والإتحاد المحور الأساسي التي ترتكز عليها تعاليم حضرة بهاءالله، ولكن الهدف الأساسي لهذه المركزية هي ثمارها العملية التي ستبنى من خلالها الانسانيةُ ملكوتَ الله على الأرض. يتفضل حضرة عبدالبهاء في دعاء الزيارة " أَيْ رَبِّ إِنَّهُ عَبْدُكَ البَائِسُ الفَقِيرُ وَرَقِيقُكَ السَّائِلُ المُتِضَرِّعُ الأَسِيرُ، مُبْتَهِلٌ إِلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْكَ مُتَضَرِّعٌ بَيْنَ يَدَيْكَ يُنَادِيكَ وَيُنَاجِيكَ وَيَقُولُ: رَبِّ أَيِّدْنِي عَلَى خِدْمَةِ أَحِبَّائِكَ" . جل ما يتمناه حضرة عبدالبهاء في هذا الدعاء هي الخدمة والعبودية، ولم يمض لحظة واحدة من حياته المباركة إلا وعاشها في الخدمة والعبودية منذ طفولته وإلى لحظة صعود روحه المباركة إلى الملأ الأعلى
لم يقسم حضرة عبدالبهاء الإنسانية إلى مجموعتين، مجموعة تستحق أن تُخدم ومجموعة أخرى لا تستحق الخدمة. كما لم يذكر حضرته تعريفا يحدد من لانهائية هوية الخدمة. فكل عمل خير يقوم به الفرد تحت السماء الشاسعة تعتبر خدمة، ولنا من حياته المباركة مثال نحتذي به من اختياره لمقعد بسيط في عربة عمومية إلى صبره أربع وعشرين عاما على ظلم أحد الأفراد واستمراره في رعايته ومن اختياره لملابس عادية رخيصة الثمن إلى مساعدته في نقل أسرة حاكم عكا الظالم بعد عزله إلى مقرهم الجديد
تعتبر الخدمة من أحد أهم الكمالات الإنسانية التي يحتاج الطفل إلى أن يتعلمها منذ السنين الأولى في حياته حيث أنها تعتبر النتيجة العملية لمفهومي المحبة والاتحاد التي نُنشِؤها في وجوديته منذ نعومة أظفاره. الخدمة في تعريفها المبسط تعني المساعدة، ولكننا غالبا ما نقدم على مساعدة من نعرفهم أو من نحبهم بينما من النادر أن تخطر ببالنا تقديم يد المساعدة إلى أولئك الذين لا نعرفهم ناهيك عن مساعدة من يُعادينا. وهكذا فإن المساعدة التي ترتكز على محورية المحبة والإتحاد تعتبر انعكاسا عمليا لما ينصحنا به حضرة بهاءالله " فَضْلُ الإِنْسَانِ فِي الْخِدْمَةِ وَالْكَمَالِ" وهذه المساعدة في حيثيتها الملكوتية تسمّى بالخدمة. ولهذا فإن من المستحسن أن يستخدم الوالدان هذه الكلمة في هويتها الروحانية مع طفلهما حتى تتعرف وجوديته على واحدة من أهم االملكات الروحانية التي نصحنا بها حضرة بهاءالله وجسّدها لنا حضرة عبدالبهاء في كينونته الملكوتية. فبدلا من أن نقول : ساعد صديقك ، نقول (اخدم صديقك)- ساعد هذا الطفل (اخدم هذا الطفل)- ساعد أمك (اخدم أمك)- ساعد الفقير (اخدم الفقير)- ساعد: اخدم
يتفضل أيضا حضرة بهاءالله " اجْتَنِبُوا التَّكَاهُلَ وَالتَّكَاسُلَ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَالَمُ مِنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ" وهذا مبدأ آخر يحتاج الطفل إلى أن يتعلمه منذ السنين الأولى من نشأته متزامنا مع تربيتنا لمَلكةِ الخِدمةِ في وجوديته، وهي أن الخدمة تتطلب الحركة والبحث والاستقصاء، لأنه إن لم يتمنى الخدمة بكل وجوديته ولم يسخر جل فكره ولحظاته لإيجاد "ما يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَالَمُ مِنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ" فقد يمر من ميادين الخدمة خالي الوفاض مغمض العينين والبصيرة. يجب أن يثق الطفل في قدرته على الخدمة مثله مثل البالغين، ويجب أن يعلم بأن الخدمة جزئية أساسية في فطرته الوجودية، فكما أن النور تكوين فطري في وجودية الشمس حيث إن فقده فقد هويته الشمسية كذلك هي الخدمة تكوين فطري في وجودية الانسان، فإن فقده فقد هويته الانسانية. وكما لا يختار الشمس لمن يهب نوره ، فيشرق على الخلائق أجمعين، كذلك الخدمة تخص الخلائق أجمعين. وهنا تبرز بجلاء محورية المحبة والاتحاد التي ترتكز عليها تعاليم حضرة بهاءالله
وحتى نقرب مفهوم الخدمة إلى ذهن الطفل نشير إلى الشمس ونسأله: هل تظن أن هذا الشمس يقول سأسطع بنوري على هذه الشجرة ولكنى لن أمنح تلك الشجرة الواقفة هناك نوري؟ وسيجيب الطفل بالنفي. فنسأله مرة أخرى: وهل تظن بأن الشمس تختار بأن تهب نورها لصديقك وتحرم ذلك الطفل الذي لا يتكلم معك نورها؟ وهل تظن بأن الشمس تمنح نورها لساكنين هذه المنطقة وتحرم المنطقة الفلانية من نورها؟ وسيجيب الطفل بالنفي. ثم نقول له: أنت أيضا مثل الشمس، يوجد شمس في قلبك وكالشمس لا يمكنك أن تختار منح نورك للبعض وحرمان البعض الآخر من هذا النور. وهنا يبدأ الطفل بالتفكير وبربط إجابته عن الشمس بالشمس الذي اكتشف وجوديته في قلبه. وفي هذه اللحظة نقول له بكل مظاهر الفرح والسعادة: هل تعلم أنت في الواقع شمسٌ انسان و سأناديك منذ اليوم بشمسي الانسان. ثم نطلب منه بأن يرسم وجه شمس ضاحك على صحنِ ورقي ويلونه ويرسم على صحن آخر الكرة الأرضية . ثم نضع الشمس والأرض بحيثية عمودية حيث تغطي صحن الشمس بنورها صحن الكرة الأرضية، ونقول للطفل انظر، الشمس تنير الأرض كلها ولا تحرم بقعة من نورها وحرارتها ، تذكر دائما بأنك شمسٌ انسان
هُوَ الأَبْهَى
إِلهِي إِلهِي إِنِّي أَبْسُطُ إِلَيكَ أَكُفَّ التَّضَرُّعِ وَالتَّبَتُّلِ وَالابْتِهالِ وَأُعَفِّرُ وَجْهِي بِتُرَابِ عَتَبَةٍ تَقَدَّسَتْ عَنْ إِدْرَاكِ أَهْلِ الحَقائِقِ وَالنُّعُوتِ مِنْ أُولِي الأَلْبَابِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى عَبْدِكَ الخَاضِعِ الخَاشِعِ بِبَابِ أَحَدِيَّتِكَ بِلَحَظَاتِ أَعْيُنِ رَحْمَانِيَّتِكَ وَتَغْمُرَهُ فِي بِحَارِ رَحْمَةِ صَمَدَانِيَّتِكَ. أَيْ رَبِّ إِنَّهُ عَبْدُكَ البَائِسُ الفَقِيرُ وَرَقِيقُكَ السَّائِلُ المُتِضَرِّعُ الأَسِيرُ، مُبْتَهِلٌ إِلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْكَ مُتَضَرِّعٌ بَيْنَ يَدَيْكَ يُنَادِيكَ وَيُنَاجِيكَ وَيَقُولُ: رَبِّ أَيِّدْنِي عَلَى خِدْمَةِ أَحِبَّائِكَ وَقَوِّنِي عَلَى عُبُودِيَّةِ حَضْرةِ أَحَدِيَّتِكَ. وَنَوِّرْ جَبِينِي بِأَنْوَارِالتَّعَبُّدِ فِي سَاحَةِ قُدْسِكَ وَالتَّبَتُّلِ إِلَى مَلَكُوتِ عَظَمَتِكَ، وحَقِّقْنِي بِالفَنَاءِ فِي فِنَاءِ بَابِ أُلُوهِيَّتِكَ وأَعِنِّي عَلَى المُوَاظَبَةِ عَلَى الانْعِدَامِ فِي رَحْبَةِ رُبُوبِيَّتِكَ. أَيْ رَبِّ اسْقِنِي كَأْسَ الفَنَاءِ وَأَلْبِسنِي ثَوبَ الفَنَاءِ وَأَغْرِقْنِي فِي بَحْرِ الفَنَاءِ وَاجْعَلْنِي غُبَارًا فِي مَمَرِّ الأَحِبَّاءِ وَاجْعَلنِي فِدَاءً لِلأَرْضِ الَّتِي وَطِئَتْهَا أَقْدَامُ الأَصْفِياءِ فِي سَبِيلِكَ يا رَبَّ العِزَّةِ وَالعُلَى. إِنَّكَ أَنْتَ الكَرِيمُ المُتَعَال. هذَا مَا يُنَادِيكَ بِهِ ذَلِكَ العَبْدُ فِي البُكُورِ وَالآصَالِ. أَيْ رَبِّ حَقِّقْ آمَالَهُ وَنَوِّرْ أَسْرَارَهُ وَاشْرَحْ صَدْرَهُ وَأَوْقِدْ مِصْبَاحَهُ فِي خِدْمَةِ أَمْرِكَ وَعِبَادِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الكَرِيمُ الرَّحِيمُ الوَهَّابُ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الرَّؤُوفُ الرَّحْمنُ
(ع ع)