بالنّسبة لسؤال بشأن توجيه الأطفال، فممّا أكّده حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بضرورة توجيه الوالدين لأولادهما في السّنين الأولى من حياتهم، يبدو أن تَلَقّي الأولاد توجيههم الأوّل في البيت تحت عناية أمّهم أفضل من أن يرسلوا إلى دار حضانة، ولكن إذا اضطرّت بعض الحالات أيّة أمّ بهائيّة أن تضع طفلها في دار حضانة فلا مانع هناك
من رسالة كتبت بالنّيابة عن حضرة وليّ أمر الله موجّهة إلى أحد الأحبّاء بتاريخ 13 تشرين الثّاني 1940
|
تظن كل أم في الوهلة الأولى أن ساعات اليوم الأربع والعشرين لا تكفيها للقيام بكل المسؤوليات التي تقع على عاتقها بالإضافة إلى الإهتمام بطفلها، وبالخصوص في السنين الأولى من ولادته، فما بالك بتربيته روحانيا. فهي تستيقظ مبكرا وتبدأ برنامجها الحافل بالوظائف والمسؤوليات دون أن تمتلك أي فرصة لقضاء بعض الدقائق في حيزها الخاص مع نفسها قبل الإندفاع إلى خضم الحيز العام الذي ينتظرها بالمرصاد. فعلى سبيل المثال، قد ترغب الأم أن تشرب فنجانا من الشاي أو القهوة في هدوء وتقرأ شيئا يخصها لبعض اللحظات من جريدة أو مجلة أو كتاب أو صفحة انترنت؛ ولكن نادرا ما تمنح الأم هذا الحق في حيزها الخاص، فما إن تفتح عينيها في الصباح، حتى تقفز من السرير إلى بحر المسؤوليات التي تقع على عاتقها اتجاه طفلها وأفراد أسرتها أولا ومن ثم مسؤولياتها البيتية والمهنية والإجتماعية وربما العلمية أيضا. وقد تمر سنوات طويلة جدا قبل أن تمتلك الأم حقيتها في حيزها الصباحي الخاص بها أو أي حيز شخصي آخر ترغب فيه ولكن يجب عليها الإحتراس كثيرا حتى لا تضحي بالحيز الذي يخص بطفلها وذلك لظنها من أنه حيزها الشخصي. كل اللحظات التي يكون الطفل فيها مستيقظا ، وبالأخص في السنتين الأوليتين من ولادته، تعتبر في الواقع جزءا لا يتجزأ من حيزه الخاص. تشكل هذه الحقيقة تحديا كبيرا أمام الأم التي تضحي بكامل حيزها الشخصي وتحرم نفسها ولومن بعض الدقائق البسيطة تقضيها في هدوء خارج صخب جدولها اليومي الزاخم بالأحداث إذ تفاجأ بضرورة إحداث تحويل جذري في كُنهية خارطة وظائفها؛ فبعدما كانت تتحدد خيوطها على أساس مسؤولياتها البيتية والمهنية والإجتماعية والعلمية عليها أن ترسم الآن على أساس مركزية طفلها ومسؤوليتها صوب تربيته الروحانية فيما يلي بعض الإقتراحات التي تستطيع الأم من خلالها تغيير خارطة وظائفها اليومية بحيثية ترتكز على مسؤوليتها في تربية طفلها روحانيا تلاوة الآيات الإلهية والأشعار بصوت مرتفع يصل إلى مسامع طفلها في حين القيام بالمهمات المنزلية الإستماع إلى التسجيلات الصوتية للأدعية والمناجاة والأناشيد الملكوتية في البيت والسيارة الحديث الدائم مع طفلها وسرد القصص التاريخية والأخلاقية على مسمعه عند قيامها بالأنشطة التي تسمح بهذا الدمج التصميم على تصطحب طفلها معها إلى الإجتماعات الروحانية والمجالس البهائية حتى وإن كان هذا مجلس صعود حضرة عبدالبهاء أو مجلس صعود حضرة بهاءالله بدلا من إعتذارها عن المشاركة في هذه المجالس أو إن حضرت فتحضر بدونه إن كان المجلس يسمح بالمشاركات الفردية، فمن المهم أن يشارك الطفل بتلاوة ما يحفظه عن ظهر قلب، وفي الشهور الأولى من ولادته حيث لا يملك الطفل ملكات كلامية، تستطيع الأم التأكيد على مشاركته من خلال حمله في حضنها ومخاطبته باسمه قائلة مثلا: والآن طفلي ... سيتلو هذه المناجاة، ثم تقرأ بالنيابة عنه. من المهم جدا ذكر اسمه قبل تلاوة الدعاء حتى يعرف رغم صغره بأنه هو من قام بفعل التلاوة ، لأن هذا يساهم إيجابيا في تعرّفه على هويته الروحانية بعد السنتين الأوليتين، تستطيع الأم أن تساعد طفلها في تربية هويته الروحانية من خلال تشجيعه على التعبير عن آرائه ووجهات نظره واقتراحاته حول الأنشطة البهائية التي يرغب في أن ينظمها بنفسه أو أن يشارك فيها مع أصدقائه تستطيع الأم أن تغرس في طفلها إحساسه بأهمية كينونته الروحانية عن طريق منحه الوقت الكافي الذي يحتاج إليه في تلاوته للدعاء والمناجاة سواء أكان صباحا أو مساء أو خلال اليوم. لأن الطفل يتعلم احترام روحانيته من خلال ردود الفعل التي تحيط به في هذه اللحظات المميزه؛ فإن استعجلته الأم قائلة: هيا هيا اقرأ بسرعة مناجاة الصباح لأننا تأخرنا عن موعدنا، أو أتلو بسرعة دعاء النوم لأنك تأخرت عن موعد نومك، أو سنقرأ هذه الآيات الإلهية بعد أن ينتهي هذا البرنامج أو ذاك أو إن هذا الدعاء طويل جدا وليس عندنا وقت الآن اقرأ دعاء آخر؛ يتربى الطفل على إحساسه أن كل ما يحيط به يحدد له حيزه الروحاني وليس العكس. بمعنى آخر، ينشأ مدار هويته حول مركزية الأحداث والأشخاص وليس حول مركزية وجوده الروحاني؛ وبذلك يصبح مثلا التضحية بتلاوة الآيات الإلهية في الصباح من أجل موعد مع أحد الأشخاص موضوعا هامشيا لا تمثل له أية أهمية فيكون موعده مع ذلك الشخص الذي ينتظره أكثرأهمية من موعده مع حضرة عبدالبهاء مثلا. من إحدى الطرق العملية التي تستطيع الأم اتباعها هي أن تحذف من قاموس تربيتها الروحانية لطفلها جملة :هيا بسرعة يتعلم الطفل غالبا في السنين الأولى من عمره ملكاته وأخلاقه من خلال مراقبته وتقليده للوالدين، ومن هنا تستطيع الأم الإستفادة من مراقبة طفلها لها في تربية هويته الروحانية . فهو سيتعلم منها معنى "اتلو آيات الله في كل صباح ومساء" عندما يسمع صوتها يوميا وهي تتلو الآيات والأدعية على مسمعه بأعذب الألحان ودون استعجال أو انتخاب ما قل وقصرفقط. وسيتعلم إحترامه للمجالس البهائية والضيافات بمشاركتها فيها، وسيتعلم منها جميع الجزئيات الروحانية اللانهائية التي يرسم من خلالها ملامح هويته الكلية كالصلاة والصوم مثلا |