أنّ التّربية من أهمّ أوامر الله وتأثيرها كتأثير الشّمس في الشّجر والثّمر فمن الواجب المؤكّد المواظبة على تربية الأطفال والمحافظة عليهم، هذا هو المعنى الحقيقيّ للأبوّة والأمومة وشفقتهما، وبغير ذلك سيصبحون أعشابًا برّيّة ضارّة وأشجار زقّوم لا يعلمون الخير من الشّرّ ولا يميّزون الفضائل من الرّذائل، مفعمون بالغرور ومبغوضون من الرّبّ الغفور، لذلك يجب تربية جميع الأطفال المترعرعين في حديقة محبّة الله والمواظبة عليهم مواظبة تامّة
حضرة عبدالبهاء- من كتيب التربية والتعليم
|
من أحد أهم أحكام الديانة البهائية هي تربية الأطفال تربية ملكوتية منذ المراحل الأولى لنشأتهم الوجودية. يتفضل حضرة عبدالبهاء " أنّ التّربية من أهمّ أوامر الله وتأثيرها كتأثير الشّمس في الشّجر" بالإستناد على هذا النص المبارك من حضرة عبدالبهاء يشبه حضرته الوجود الإنساني وكأنها شجرة
وإن اعتبرنا الوجود الإنساني شجرة فإن بذرة كينونيتها تغرس في سنين الطفولة وتنمو هذه البذرة بالرعاية والمحبة لتتحكم جذورها في أعماق الأرض وتعلو ساقها وأغصانها وأوراقها في الفضاء الواسع اتجاه السماء. لا تموت الشجرة في ساقها وأوراقها بل تموت عندما تموت في جذورها . تعكس الشجرة جماليتها للأعين المشاهدة في تكوينها الظاهري الذي ينمو ويترعرع فوق سطح التربة، بينما تكمن أصلية وجوديتها وحقيقة جماليتها في قوة وسلامة جذورها والتي هي بطبيعة الحال غير ظاهرة للأعين المجردة رغم أن كينونة الشجرة تستند كليا عليها. تؤثر عوامل التعرية واختلاف الفصول وتوالي السنين على ظاهر الشجرة، فتتساقط أوراقها وقد تكسر أغصانها وقد تقطع من أعلى ساقها دون المساس بجذرها. ولكن يكون مظاهر ه هذا التأثير مقطعيا جزئيا، فالشجرة التي تعرت من أوراقها في الشتاء تعود إلى بهاء جماليتها في الربيع وينمو غصن جديد في موضع الغصن الذي انكسر وتبدأ الشجرة من جديد رحلة نموها وتجددها فتعلو ساقها وتعلوا إلى أن تلمس السماء من جديد
هذا التأثير الموضعي لعوامل التعرية وقسوة المناخ على وجودية الشجرة الظاهرية تختلف كليا عن تأثيراتها التدميرية الشاملة على ذاتية الشجرة المنعكسة في جذورها. فإن ماتت شجرة في جذورها ماتت لحظتها في جل وجوديتها من ساق و أغصان وأوراق. ولذا لا يسلم بموت شجرة إن كانت جذرها سالما، فمن الجذر تبدأ حياة الشجرة وبموت الجذر تنتهي حياتها. تعتبر المراحل الأولية لنشأة الشجرة (أو النبتة) من أهم العوامل المصيرية لتحديد أساسيات القوى الكينونية الذاتية لكل شجرة والتي تتمحور حول سلامة جذورها من العلل والأمراض وتغلغلها بثبات ورسوخ في عمق أعماق أرض الوجود، ذلك الحيز الغير مرئي للعيان. وتتحدد في هذه المراحل الأولية السمات الكلية التي ترتكز عليها حياة أي شجرة وذلك من خلال توفير نوعية متكاملة من الرعاية الكيفية التي تهدف في حماية وتقوية جذورها. فإن نجحنا في هذا المسعى، ومنحنا شجرتنا حقيتها الوجودية في بداية صحيحة تنمو فيها جذور ذاتيتها سالمة راسخة ثابتة، فإننا في الواقع نمنح شجرتنا حياة وارفة
وتشبه التربية الروحانية للطفل منذ المراحل الأولى لنشأة وجوديته في هذا العالم بالرعاية الكيفية التي تحتاجها كل شجرة لتقوية وتنمية جذورها في بدايات حياتها والتي تبدأ أول ما تبدأ في الحيز اللامرئي في أعماق أرض الوجود. إن تربية الطفل في السنين الأولى من ولادته تربية روحانية سليمة تعتبر من أهم الأساسيات التي ستبنى عليه مملكة كينونته الإنسانية. يملك الوالدين وظيفة مقدسة في توفير كل الإحتياجات والوسائل الضرورية اللازمة لتربية وحماية جذور روحانية طفلهما في طفولته المبكرة جدا، لأن جذور الأشجار تتحدد سلامتها وقوتها التكوينية في نوعية الرعاية و الحماية التي توفر لها لحظة أن تغرس البذرة في أرض الوجود