يَا ابْنَ الوُجُودِ
مِشْكاتِي أَنْتَ وَمِصْباحِي فِيْكَ؛ فَاسْتَنِرْ بِهِ وَلا تَفْحَصْ عَنْ غَيْري، لأِنِّي خَلَقْتُكَ غَنِيَّاً وَجَعَلْتُ النِّعْمَةَ عَلَيْكَ بالِغَةً
|
يتعرف الطفل في السنين الأولى من عمره على نفسه من خلال الآخرين، وترتكز جل اهتمامه في هذه المرحلة على احساسه و رغباته واحتياجاته. فالعالم الكبير الذي وُلد فيه لا تُعنيه في شئ إن لم يكن هو محورا فيه. على سبيل المثال، لا يهتم الطفل الرضيع عندما يشعر بالجوع ويبكي عاليا طلبا للحليب إن كانت الأم تعبة أو منشغلة، فهو في الواقع لا يهتم بأي منطق سوى احساسه الفطري بالجوع واحتياجه إلى الحليب. و لذا سيستمر في بكائه وإن وضع العالم بين يديه؛ لأن العالم الذي لا يكون هو محورا فيه لا تهمه في شئ. من جهة أخرى يتعرف الطفل على نفسه من خلال حب الآخرين له ومن خلال الدفء والحنان الذي يحتويه فيه والداه فيشعر بقيمته وتنمو ثقته بنفسه والعكس صحيح. فالطفل الذي يحرم من الحب والحنان وتكبل طفولته بأحساسيس الذنب والخطيئة سترسخ في وجوده إحساسه بلاشيئيته ودونيته رغم أن حضرة بهاءالله يتفضل في الكلمات المكنونة العربية" خلقتك عاليا". ولهذا تستطيع الأم أن تشجع طفلها الصغير على الدعاء والمناجاة من خلال الإرتكاز على ايمانه المطلق بمحورية وجوده بالإضافة إلى إحتياجه الفطري للحب والحنان عند قراءة الآيات الإلهية والمناجاة يحتاج الطفل إلى أن يكوّن تجربته الشخصية مع المناجاة وينمّي أواصر ارتباطه بالكلمات نفسها وأيضا بمنزّل هذه الكلمات السماوية. فمن جهة حتى يستطيع الطفل إدراك معاني الآيات الألهية التي يسمعها ويتلوها في هذه المرحلة المتقدمة جدا من عمره الصغير، يحتاج بداية إلى أن يشعر بأنها تخاطبه وأنه المحور فيها وذلك حتى تصبح احساسه بها إحساسا ملموسا. ومن جهة أخرى، تستطيع الأم الأخذ بيد طفلها صوب تحكيم أواصر ارتباطه مع منزّل هذه الآيات من خلال شرح وتوضيح هذه الآيات له على أنها تعكس عمق حب وحنان منزل هذه الآيات اتجاهه فعلى سبيل المثال، إذا اختارت الأم أن يحفظ طفلها مناجاة حضرة عبدالبهاء "أي رب، اهدني، احفظني، واجعل مني سراجا منيرا ونجما بازغا، إنك أنت القوي القدير. عبدالبهاء عباس" ، يمكنها أن تبدأ بمحوريته وبدعائه لأن يكون "سراجا منيرا". أغلب الأطفال يفضلون النور على الظلام ويشعرون براحة أكبر لأن يلعبوا في مكان تملأه الأضواء بدلا من غرفة معتمة سوداء. لذا تستطيع الأم أن تسأل طفلها إن كان يفضل ان يلعب في النور أم في الظلام؟ وعندما يجيب أنه يفضل النور، أغلب الأطفال سيختارون النور ولكن بطبيعة الحال حتما سيكون هناك بعضٌ آخر من الأطفال الذين سيختارون الظلام؛ في كلتا الحالتين تساعد الأم طفلها في إدراك إيجابيات النور وأيضا إيجابيات الظلام ، سواء إن اختار النور أو اختار الظلام ، ولكن بالتركيز هنا على تشجيعه وتنمية انجذابه صوب النور وذلك من أجل ما تتطلبه هذه المناجاة من معرفته لخصائص وإيجابيات النور ومن ثم يمكنها أن تقتبس الصور التي رسمها في خياله عن النور ليتخيلها في نفسه أو عن نفسه بحيث يصبح هو النور ويحس به حقيقة ملموسة تنعكس من شخصه. فتخاطبه قائلة بأنه نور ساطع و تذكر كل الخواص الإيجابية التي شهدت بها له عن النور واحدة تلو الأخرى وتعكسها فيه من خلال صفاته الشخصية وأعماله الإيجابية لتثبت له بأنه أيضا نور وهكذا يكوّن الطفل رابطة شخصية مع هذه المناجاة، فهي تتحدث عن النور، وهو نور، إذن فهي تتحدث عنه، وهو المحور فيها. وينمو فيه إحساسه بأهمية الدعاء ، وحيث أن مايذكره من حواره مع أمه عند تلاوته لهذه المناجاة هي مجموع الصفات الإيجابية التي يملكها النور بالإضافة إلى إحساسه بالدفء والضياء تغمران وجوده وهو يتخيل نفسه في غرفة تسبح في بحر من النور؛ تنشأ في وجوده انجذاب عميق كي يتلو أكثر هذه المناجاة وذلك لرغبته في أن يحافظ على هذا النور وهنا، تطمئنه الأم بحب حضرة عبدالبهاء له، وبأنه يسمع مناجاته ودعاءه وبأنه دائما موجود معه في كل لحظاته، ويحافظ على نوره من أن ينطفئ . وتخبره بأن حضرة عبدالبهاء وهبه هذا النور في قلبه حتى يساعده عندما يمشي صوب بيت حضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء في أن يجد طريقه ولا يضيع في الظلام. وتستطيع أن تضيف بأن حضرة عبدالبهاء مشتاق إليه كثيرا وينتظره في البيت ويده مليئة بألذ السكاكر والشكولاتة كي يعطيها له عند وصوله إلى البيت وبأن حضرته ينادي عليه ويقول: أين أنت يا سراجي ويا نوري ويا نجمتي، لا تتأخر فأنا مشتاق إليك بهذا الوصف التخيلي وبهذه الكلمات تحول الأم المناجاة التي يتلوها طفلها إلى حقيقة ملموسة يشعر بها ويتواصل معها ويفهم معانيها. كما أنها تربي طفلها على إحترام كيانه الذي خلق من نور "خلقتك عاليا"، وأيضا تعمق أواصر ارتباطه بحضرة عبدالبهاء، فحضرة عبدالبهاء نور، وهو من منحه هذا النور في قلبه حتى يجد طريقه إلى بيت حضرة عبدالبهاء وحضرة بهاءالله، وهذا لأنه يحبه كثيرا ومشتاق إلى لقائه ورؤيته هذه مناجاة عن الحب وعن النور، حبه لحضرة عبدالبهاء وحب حضرة عبدالبهاء له ونوره الذي وهبه اياه حضرة عبدالبهاء كي يهتدي به إليه، ونور حضرة عبدالبهاء الذي ينتظره بكل اشتياق كي يحتويه في دفئه وضيائه |