أول مرب للطفل هي الأم، لأن الطفل في أول نشأته ونموه كالغصن الرطب يمكن تربيته على أية صورة أردت. إذا ربيته مستقيما
يصبح مستقيما، وينشأ وينمو في غاية الاعتدال. وإنه لمن الواضح أن الأم هي المربية الأولى للولد ومؤسسة أخلاقه وآدابه. إذاً أيتها
الأمهات الحنونات اعلمن حق العلم أن تربية الأطفال على آداب كمال الانسانية لهي أفضل عبادة لدى الرحمن ولا يمكن تصور ثواب
اعظم من هذا
( حضرة عبدالبهاء، كتيب التربية والتعليم، ص 50)
1500 تحتفل صفحة الهوية البهائية بانقضاء عقد من الزمان على أول يوم لظهورها في شهر أغسطس سنة 2013. كان عمرطفلي عندها
يوما، وعمره بالسنوات والشهور أربع سنوات وثلاث أشهر. مضت عشر سنوات وأصبح طفلي شابا يافعا عمره بالسنوات
والشهور اربع عشرة سنة وخمس أشهر. منذ بدايات نشأة طفلي في هذا الوجود بدأت وظيفتي الروحانية اتجاه تربيته، ورغم أن الوظيفة لم تتغير في كينونتها إلا أن ملامحها كانت تتغير من مرحلة إلى أخرى بحسب احتياجات كل مرحلة عمرية كانت تشكل ملامح هوية
طفلي. كأم ، الوظيفة الروحانية التي أحملها على عاتقي من قِبَل الله تعالي اتجاه طفلي هي تربيته خلال مراحل طفولته تربية تليق بلحظة
وقوفه بين يدي خالقه كانسان مستقل مسؤول عن ارتقائه الروحي. في كتاب الأقدس حدّد حضرة بهاء الله سنّ البلوغ الشّرعيّ بخمسة
عشر عاماً للذّكور والإناث على السّواء. كينونة وظيفتي كأم اتجاه هذه الأمانة الإلهية والهدية السماوية التي وهبني الله في طفلي هي أن
أوصله إلى محضرخالقه في سن الخامسة عشر. منذ تلك اللحظة التي نشأ فيها طفلي وأنا أحمل هذه الوظيفة الروحية على عاتقي ولم
أنس لحظة واحدة بأنني بعد مرور خمس عشرة سنة من خلقه في هذا العالم يجب أن أوصله بيدي ليحضر بين يدي حضرة بهاءالله . كل طفل يولد في هذا العالم هو في الواقع أمانة الخالق يهبها للوالدين اللذين يشملهما بركة استلام هذه الأمانة. وتبقى الأمانة أمانة إلى ذلك
اليوم الذي نطالب فيه بإعادتها، ويوم إعادة الأمانة هنا هو اليوم الذي يصل فيه طفلنا إلى سن البلوغ الشرعي إذ عندها يقف مباشرة بين
يدي حضرة بهاءالله بصلاته وصيامه ويصبح مسؤولا عن نفسه أمام خالقه. قبل أن يصل طفلي إلى سن الخامسة عشر، كأم، أهديه كل صلاتي وصيامي، فكل صلاة صليتها كنت أصلّيها من قِبلي و من قِبَلهِ وكل يوم صمته، كنت اصومه عن نفسي وكذلك صُمته نيابةً عنه. ولكن، لن تُقبل مني إنابتي له في الصلاة والصيام عندما يصل إلى سن البلوغ الشرعي مهما تمنيت ذلك بكل وجوديتي وكياني
عندما يصل طفلي إلى سن الخامسة عشر، لن ينفعه إنابتي له بالوقوف بين يدي الخالق، لأنه في تلك اللحظة العمرية مدعوٌ بالحضور
شخصيا إلى محراب الخالق
في صفحة الهوية البهائية اشارككم مراحل هذه الرحلة الشخصية كأم بهائية اتجاه وظيفتها في تربية طفلها تربية روحية تعكس جمال
الملكوت الإلهي في الوجود الانساني.من أهم ما تعلمته في هذه الرحلة هي أن التربية الروحية للطفل تبدأ في البيت. من أهم الوظائف
التي تقع على عاتق الوالدين اتجاه طفلهما هي تهيئة بيئة روحانية بهائية تحيط به في البيت منذ الصباح عند لحظة استيقاظه من النوم
وحتى الليل إلى لحظة انتهاء يومه وخلوده إلى النوم. وكي ينجح الوالدان في تهيئة هذه البيئة الروحانية لنمو طفلهما، يحتاجان أن يعيشا حياة بهائية في حياتهما الشخصية
من احدى الملكات الجمالية التي تكمن في وظيفة الوالدين اتجاه تربية طفلهما تربية روحية هي أنهما يصبحان رفيقا دربه في هذه الرحلة
الروحية لأن عليهما أيضا أن ينموا روحانيا يوما فيوما. ليس من السهل أن يعيش الفرد حياة بهائية في عالم مليء بالامتحانات
والبلايا، ولهذا يقع على عاتق الوالدين وظيفة استمرارهما في رحلتهما الروحانية الشخصية ليلا ونهارا إن أرادا أن ينجحا في وظيفتهما اتجاه هذا الطفل الذي وهبهم الله أمانة تربيته. سيسهل على الوالدين خلق بيئة روحانية في البيت عندما يكتشفان اسرار العلاقة الطردية
بين نموهما الروحي والنمو الروحي لطفلهما
أن يكون الفرد مسؤولا أمام الخالق عن ارتقائه الروحي أسهل بكثير من أن يلقى على عاتقه مسؤولية الارتقاء الروحي لانسان
آخر منذ نشأته في هذا العالم. ففي الأولى إن اضعنا الطريق أو خذلنا من القيام بواجبنا اتجاه ارتقائنا الروحي فإن نتائج
هذا التهاون في تربية أنفسنا ينعكس علينا لوحدنا. بينما إن خذلنا القيام بواجبنا اتجاه تربية طفلنا تربية روحية منذ نعومة أظفاره فإن
نتائج هذا التهاون سينعكس على طفلنا في جميع مراحل نموه الانساني. من أهم الملكات الروحية التي يستطيع الوالدين تربية طفلهما عليه
هي ملكة الانصاف. يتفضل حضرة بهاءالله في الكلمات المكنونة (يَا ابْنَ الرُّوحِ. أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ
إِلَيَّ راغِباً وَلا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِيناً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي
البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ) . خلال رحلتي كأم في تربية طفلي لم
أدخر وسعا في غرس ملكة الانصاف في طفلي. في السنين الأولى من طفولته لم تظهر ثمار هذه الملكة بوضوح في شخصيته، لأن في
السنين الأولى من عمر الطفل يكون الطفل بسيطا في أفكاره ويعيش في بيئة محدودة . ولكن بمرور الزمان وكلما يكبر الطفل في العمر ويقترب من عمرالمراهقة، فإنه سيتجه صوب تحدي رأي الوالدين ويميل إلى اتباع رأي أصدقائه والبيئة التي تلبي احتياجاته وميوله.هنا إن كان الوالدان قد غرسا في طفلهما منذ نعومة أظفاره ملكة الانصاف، فإن ثمار هذه الملكة ستحميه من اتباع كل ما يهدد
نموه الروحي لأنه لن يصبح تابعا لآراء الآخرين. عندما ولد طفلي،أخذت على عاتقي غرس ملكة الانصاف في وجوديته. والانصاف
يحتاج إلى بوصلة. والبوصلة هي تحري الحقيقة والرجوع إلى مصدرالتشريع السماوي لاتخاذ القرارات. وهذه هي البوصلة الروحية
التي ستهدي كل طفل إلى خيره في جميع العوالم الإلهية
من أشد التحديات التي يواجهها الوالدان اتجاه وظيفتهما في تربية طفلهما على الملكات والصفات السماوية هي أن عليهما القيام بهذه
الوظيفة في عالم مليء بالامتحانات والبلايا في حين كان سيسهل هذا الأمر عليهما إن قُدِّر لهما أن يربيا طفلهما في صومعة أوفي كهف
لأن في الصومعة سيستطيعان التحكم بالبيئة التي تحيط بطفلهما وسيستطيعان أن يملآن هذه البيئة بكل الملكات الروحية التي يرغبان بتربية
طفلهما عليها. ولكن لأن طفلي لن يعيش أويكبر في صومعة ، لذا أصبح واجبا عليّ تربيته على استخدام بوصلة تهديه حتى يجد طريقه إلى النجاة وإن احاطت به أمواج البلايا من كل الجهات
والبوصلة هي رضاء حضرة بهاءالله . هذا دعائي لطفلي وهذا دعائي لأطفالكم ولكل طفل في هذا العالم
في خضم مشاعرالمراهقة قد لا يعير الطفل المراهق أهمية شديدة لرضاء والدته أو والده عليه وبالخصوص إن كان الحصول على
رضاء والديه سيؤدي إلى أن يخسر رضاء أصحابه وأصدقائه. ولهذا، فإن تربية الطفل منذ نعومة أظفاره على ادراك أهمية رضاء
حضرة بهاءالله لاستمرارية وجوديته ستخلق في كينونته بوصلة أزلية تهديه إلى ما هو خير له في هذا العالم وفي جميع العوالم الإلهية
خلال هذا العقد من الزمان، كان بحر الحياة عاصفا وبلايا الدنيا تنهمر تباعاً. ولكني في عمق الأمواج المتلاطمة ومخاوف التلاشي
والغرق بقيت ممسكة بيد طفلي باتجاه المحراب الذي يجب عليه أن يصله في سن الخامسة عشرليقف بكل خضوع وخشوع بين
يدي حضرة بهاءالله. من أهم ما تعلمته خلال هذه السنوات، هي أن تربية الطفل تعتبر من أهم الوظائف التي ألقاها الخالق على عاتق
الأم، ولهذا فإن أي مسؤوليات أخرى ستصبح ثانوية في أهميتها أمام وظيفتها الأساسية هذه. يتفضل حضرة عبدالبهاء
يا إماء الرحمن، قد عهدت إليكن تربية الأطفال منذ بداية طفولتهم، أنتن اللواتي يجب عليكن تهذيب أخلاق أولادكن والسهر عليهم
ومراقبتهم في جميع الظروف والأحوال، فالحق جل جلاله قدر أن تكون الأمهات المربيات الأُول للأطفال والأولاد، والخدمة هذه من
أعظم وأخطر الوظائف ومقامها عزيز وجليل للغاية ولا يجوز التهاون والتقاعس في شأنها
( حضرة عبدالبهاء، كتيب التربية والتعليم، ص 51)
مع خالص تحياتي
أكتوبر 2023
|
المساحة اللانهائية |
أنا أم لطفل عمره بالأيام 1500 يوما، وعمره بالسنوات والشهور أربع سنوات وثلاث أشهر. كان يمكننى أن أكتفي بذكر الأربع سنوات دون الأشهر الثلاث، ولكن كل يوم يمر من عمر الطفل له أهميّته الذاتية، فالأيام تكوّن الشهور، والشهور تكوّن السنوات، ويكبر الطفل ليصبح فردا مستقلا عني رغم أنه جزء لا يتجزأ عن وجودي
قبل أن يولد إبني، كنت أشارك في دروس الأطفال التي غالبا ما تتشكل في أيام محددة في الأسبوع وتتحدد ساعاتها على حسب إحتياجات وإمكانيات المجتمعات. وبطبيعة الحال ينشأ دائما هذا التواصل الطبيعي والدياليكتيكي بين المعلمين وأسر الأطفال من حيث إعلام الوالدين بالدروس والنصوص التي تعلّمها الأطفال والتي تحتاج إلى مراجعتها أو حفظها في البيت، إلا أنه ورغم أهمية هذه الوظيفة الروحية لمعلمي دروس الأطفال في نشأة ونمو البراعم الصغيرة فهي تمتلك مساحة ضيقة بمقارنتها مع المساحة التي يمتلكها الوالدين
يتكوّن اليوم من 24 ساعة، منها على سبيل المثال و التقريب 12 ساعة يكون فيها الطفل يقظا أي ما يعادل 84 ساعة في الأسبوع. إذا كان طفلي يشارك في دروس الأطفال 3 أيام في الأسبوع لمدة ثلاث ساعات في كل مرة، فمجموع ما يمضيه طفلي مع معلمه هي 9 ساعات. وإن كان هناك واجبات منزلية ونصوص عليه أن يحفظها في البيت، يمنح الوالدان غالبا ما يقارب ساعة من الزمان كل يوم، لمراجعة الدروس والنصوص مع أطفالهم، مما يجعل مجموع الساعات 7 ساعات في الأسبوع. المجموع الكلي لمساحة المعلم في حياة الطفل، هي 16 ساعة مقارنة مع المساحة التي يمتلكها الوالدين والتي هي 68 ساعة
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، غالبا لا يملك الأطفال قبل سن الثالثة في بعض المجتمعات، وسن الخامسة في مجتمعات أخرى فرصة الإلتحاق بدروس الأطفال التي تهدف إلى تنمية الهوية البهائية في وجوديتهم مما يمدد المساحة الزمنية التي يمتلكها الوالدين مع طفلهم لتصبح 84 ساعة. وهكذاعندما وُلد إبني، وُلدت معه هذه المساحة اللانهائية، التي وُهبت لنا بصفتنا والديه ، لتربية هويته البهائية التي ذكرت حقيقة كنهيتها في الصلاة الصغرى "أشهد يا إلهي بأنّك خلقتني لعرفانك وعبادتك". من البديهي أن تمتلك كل أسرة منهجها الخاص وتجربتها الذاتية في كيفية تنمية وتربية الهوية البهائية لأفرادها، ومن البديهي أن تختلف الأساليب بإختلاف البيئات والمجتمعات. ما يهم في النهاية، الدور الفعال الذي نلعبه في حياة طفلنا ، منذ نعومة أظافره وإلى أن يكبر ويصبح فردا مستقلا بذاتيته لترسيم ملامح هويته البهائية. كما ذكرت في البداية، إبني عمره 4 سنوات وثلاث أشهر، لذا مازلت في البداية، وكل يوم له تحديات جديدة تحتاج إلى طرق أخرى مختلفة لمواجهتها في هذه المساحة اللانهائية . عندما ولد إبني، ولدت معه تجربتي هذه التي أشارككم إياها في صفحتي هذه، على أمل أن الإفادة والاستفادة
مع خالص تحياتي
2013 اغسطس
قبل أن يولد إبني، كنت أشارك في دروس الأطفال التي غالبا ما تتشكل في أيام محددة في الأسبوع وتتحدد ساعاتها على حسب إحتياجات وإمكانيات المجتمعات. وبطبيعة الحال ينشأ دائما هذا التواصل الطبيعي والدياليكتيكي بين المعلمين وأسر الأطفال من حيث إعلام الوالدين بالدروس والنصوص التي تعلّمها الأطفال والتي تحتاج إلى مراجعتها أو حفظها في البيت، إلا أنه ورغم أهمية هذه الوظيفة الروحية لمعلمي دروس الأطفال في نشأة ونمو البراعم الصغيرة فهي تمتلك مساحة ضيقة بمقارنتها مع المساحة التي يمتلكها الوالدين
يتكوّن اليوم من 24 ساعة، منها على سبيل المثال و التقريب 12 ساعة يكون فيها الطفل يقظا أي ما يعادل 84 ساعة في الأسبوع. إذا كان طفلي يشارك في دروس الأطفال 3 أيام في الأسبوع لمدة ثلاث ساعات في كل مرة، فمجموع ما يمضيه طفلي مع معلمه هي 9 ساعات. وإن كان هناك واجبات منزلية ونصوص عليه أن يحفظها في البيت، يمنح الوالدان غالبا ما يقارب ساعة من الزمان كل يوم، لمراجعة الدروس والنصوص مع أطفالهم، مما يجعل مجموع الساعات 7 ساعات في الأسبوع. المجموع الكلي لمساحة المعلم في حياة الطفل، هي 16 ساعة مقارنة مع المساحة التي يمتلكها الوالدين والتي هي 68 ساعة
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، غالبا لا يملك الأطفال قبل سن الثالثة في بعض المجتمعات، وسن الخامسة في مجتمعات أخرى فرصة الإلتحاق بدروس الأطفال التي تهدف إلى تنمية الهوية البهائية في وجوديتهم مما يمدد المساحة الزمنية التي يمتلكها الوالدين مع طفلهم لتصبح 84 ساعة. وهكذاعندما وُلد إبني، وُلدت معه هذه المساحة اللانهائية، التي وُهبت لنا بصفتنا والديه ، لتربية هويته البهائية التي ذكرت حقيقة كنهيتها في الصلاة الصغرى "أشهد يا إلهي بأنّك خلقتني لعرفانك وعبادتك". من البديهي أن تمتلك كل أسرة منهجها الخاص وتجربتها الذاتية في كيفية تنمية وتربية الهوية البهائية لأفرادها، ومن البديهي أن تختلف الأساليب بإختلاف البيئات والمجتمعات. ما يهم في النهاية، الدور الفعال الذي نلعبه في حياة طفلنا ، منذ نعومة أظافره وإلى أن يكبر ويصبح فردا مستقلا بذاتيته لترسيم ملامح هويته البهائية. كما ذكرت في البداية، إبني عمره 4 سنوات وثلاث أشهر، لذا مازلت في البداية، وكل يوم له تحديات جديدة تحتاج إلى طرق أخرى مختلفة لمواجهتها في هذه المساحة اللانهائية . عندما ولد إبني، ولدت معه تجربتي هذه التي أشارككم إياها في صفحتي هذه، على أمل أن الإفادة والاستفادة
مع خالص تحياتي
2013 اغسطس