يتفضل حضرة بهاءالله
كن في النّعمة منفقًا، وفي فقدها شاكرًا، وفي الحقوق أمينًا، وفي الوجه طلقًا، وللفقراء كنزًا، وللأغنياء ناصحًا، وللمنادي مجيبًا، وفي الوعد وفيًّا، وفي الأمور منصفًا، وفي الجمع صامتًا، وفي القضاء عادلاً، وللإنسان خاضعًا، وفي الظّلمة سراجًا، وللمهموم فرجًا، وللظمآن بحرًا، وللمكروب ملجًا، وللمظلوم ناصرًا وعضدًا وظهرًا، وفي الأعمال متّقيًا، وللغريب وطنًا، وللمريض شفاءً، وللمستجير حصنًا، وللضّرير بصرًا، ولمن ضلّ صراطًا، ولوجه الصّدق جمالاً، ولهيكل الأمانة طرازًا، ولبيت الأخلاق عرشًا، ولجسد العالم روحًا، ولجنود العدل رايةً، ولأفق الخير نورًا، وللأرض الطّيبة رذاذًا، ولبحر العلم فلكًا، ولسماء الكرم نجمًا، ولرأس الحكمة إكليلاً
من المثبت علميا أن الأطفال يتعلمون الكثير من السلوكيات الإيجابية أو السلبية في جميع مراحلهم العمرية من خلال اللعب. يتعلم الطفل هذه السلوكيات من خلال اللألعاب الفردية التي يستطيع أن يلعبها مع نفسه ولا يحتاج إلى مشاركة طفل آخر معه مثل اللعب بالسيارة أو اللعب بالمكعبات الخشبية لبناء جسر أو بيت. ويتعلم الطفل هذه السلوكيات أيضا من خلال الألعاب الجماعية التي يحتاج أن يتشارك بها مع طفل آخر مثل لعبة كرة القدم، أو الألعاب الجماعية الأخرى. ما يتعلمه الطفل من خلال اللعب يكون فضاءا شاسعا من الإحتمالات اللانهائية التي تساهم في تشكيل هويته وقدراته وأفكاره وشخصيته. يعتبر اللعب أهم نافذه تربوية ينظر من خلالها الطفل إلى العالم الخارجي الذي يحيط به، ومن خلال هذه النافذة يعكس الطفل مفاهيمه عن هذا العالم الذي يعيش فيه كما يكوّن أيضا مفاهيمه من خلال هذه النافذة. وبالتالي يكوّن الطفل ويعكس من خلال اللعب سلوكياته وانطباعاته حول كيفية التعامل والتعايش مع ما يحيط به ي هذه البيئة التي تحتوي وجوديته
الإحتماليات التي تحدد نحوية لعب الطفل تتلخص في احتماليتين: الأول هي احتمالية اللعب الحر حيث يترك فيه للطفل حيزا شاسعا يتعلم فيه بحرية مهارات حياتية من خلال تنمية نفسه وقدراته و اكتشاف ما حوله عن طريق اللعب والتخيل دون أي تدخل من الوالدين. هنا يولج الطفل بمخيلته في عوالم غير مرئية لا يستطيع الوالدان تحديد كنهيتها لأنها مرتبطه بمخيلة الطفل وقدراته و ملكاته. أما الثاني فهي احتمالية اللعب المحدد وهذا نوع من الألعاب التي تكون مبرمجة صوب تحقيق نتيجة معينة والوصول إلى هدف مخطط له مسبقا كأن يتعلم الطفل صفة المشاركة والتعاون مع الأطفال الآخرين. عندما يختار الوالدان هذا النوع من اللعب فعندئذ يكون هذا اللعب لعبا مراقبا ومحددا في كل حيثياته من أجل الوصول إلى النتيجة التربوية المرجوة. بطبيعة الحال، غالبا ما تتداخل هاتين الإحتماليتين في البرمجة وتحديد الحيز أو اللعب الحر وعدم تحديد الحيز مع بعضهما البعض بحسب احتياجات الطفل لتنمية مهاراته البدنية والعقلية والسلوكية والروحانية والعاطفية في مراحله العمرية المختلفة
يعتبر لعبة الشطرنج من الألعاب التي تقع ضمن قائمة الألعاب المحددة، بمعنى أن الطفل يحتاج إلى من يعلمه مبادئ اللعبة بالإضافة إلى وجود هدف او أهداف تربوية يرجو الوالدان تربية طفلهما عليها من خلال هذه اللعبة. السؤال الذي يحتاج الوالدان إلى أن يجدا جوابا عليها هي كنهية الأهداف التربوية التي يرجوان تحقيقها من خلال تعليم هذه اللعبة لطفلهما. كما يحتاجان أيضا إلى معرفة كنهية الطاقات والقدرات التي يرغبان بتنميتها في طفلهما من خلال تعليمه لعبة الشطرنج . للعبة الشطرنج فوائد كثيرة لا تحصى، أبسطها أن يتعلم الطفل ملكة التفكير الشمولي، حيث يحتاج إلى أن يقرأ الواقع الذي يحيط بعناصر لعبته من أبعاده الكلية بدلا من التركيز على عنصر واحد فقط والظروف المحيطة به. كما يتعلم الطفل
أيضا من لعبة الشطرنج ملكة التحليل والتخطيط والتنفيذ
ولكن ماالذي يتعلمه الطفل أول ما يتعلمه في لعبة الشطرنج؟ ما هو المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه هذه اللعبة؟ أليس هو مبدأ البقاء للأصلح، ومبدأ القتل من أجل البقاء، ومبدأ اخذ حيز الآخر وممتلكاته قبل أن يدخل حيزي ويستولي على ممتلكاتي؟ ألا تتمركز لعبة الشطرنج على العنف والقتل والتخطيط والتفكير من أجل التدمير ؟ إن كانت هذه هي السلوكيات التي يتعلمها الطفل من هذه اللعبة، فلماذا إذن يحتار الوالدان عندما يختار طفلهما في مستقبل حياته مبدأ العنف والتدمير ورفض الآخر؟ لا يستطيع الوالدان أن يربيا طفلهما على مبدأ العنف ثم ينتظران منه المحبة والسلام. فإن غرس الوالدان شجرة تفاح، فسيكون الثمر تفاحا وليس برتقالا. ومع أن المبدأ الأساسي الذي يرتكز عليه لعبة الشطرنج يتمحور حول القتل والتدمير، إلا أن هذا لا يلغي الملكات التي يتعلمها الطفل من خلال هذه اللعبة وأهمها ملكة التحليل والتخطيط والتنفيذ
يستطيع الوالدان استخدام لعبة الشطرنج من أجل تغريس الهوية البهائية في وجودية طفلهما بدلا من مفاهيم القتل والتدمير من خلال تغيير المركزية ، فبدلا من ان ترتكز اللعبة على مبدأ أنا ضد الآخر العدو، ترتكز اللعبة على مبدأ التطور الروحاني للفرد ضد العراقيل التي قد تبطئ من عملية التطور الروحاني. تتكون رقعة الشطرنج من 32 قطعة، أي يستطيع الطفل في كل مرة يلعب بها لعبة الشطرنج أن يتعلم 16 فضيلة وملكة روحانية ، ويتعلم بالمقابل 16 من التحديات التي تواجهها هذه الفضائل والملكات والتي يجب عليه أن يتخطاها من أجل تطوره روحانيا. بطبيعة الحال يحتاج الوالدان في البداية الى بذل كثير من الوقت لتوضيح مفاهيم الفضائل الروحانية التي يختارانها كي يتعلمها طفلهما من خلال لعبة الشطرنج، ولكن مع مرور الوقت يصبح للوالدين مخزونا جاهزا من الملكات الروحانية والتحديات التي يحتاج الفرد أن يتخطاها كي يتطور روحانيا في امتلاكه لهذه الملكة. يتفضل حضرة بهاءالله " كن في النّعمة منفقًا، وفي فقدها شاكرًا، وفي الحقوق أمينًا، وفي الوجه طلقًا، وللفقراء كنزًا، وللأغنياء ناصحًا، وللمنادي مجيبًا، وفي الوعد وفيًّا، وفي الأمور منصفًا، وفي الجمع صامتًا، وفي القضاء عادلاً، وللإنسان خاضعًا، وفي الظّلمة سراجًا، وللمهموم فرجًا، وللظمآن بحرًا، وللمكروب ملجًا، وللمظلوم ناصرًا وعضدًا وظهرًا، وفي الأعمال متّقيًا، وللغريب وطنًا، وللمريض شفاءً، وللمستجير حصنًا، وللضّرير بصرًا، ولمن ضلّ صراطًا، ولوجه الصّدق جمالاً، ولهيكل الأمانة طرازًا، ولبيت الأخلاق عرشًا، ولجسد العالم روحًا، ولجنود العدل رايةً، ولأفق الخير نورًا، وللأرض الطّيبة رذاذًا، ولبحر العلم فلكًا، ولسماء الكرم نجمًا، ولرأس الحكمة إكليلاً" . يستطيع الوالدان مثلا غرس الملكات الروحانية التي ذكرها حضرة بهاءالله في هذا النص المبارك وهي أكثر من 16 ملكة روحانية منها : الإنفاق في النعمة، الشكر عند فقد النعمة، الأمانة، البشاشة والسرور، العطاء والكرم، الكلمة الطيبة والإخلاص في النصيحة، مساعدة المحتاج، الوفاء، الإنصاف، الصمت ، العدل ، الخضوع ، الهداية، التقوى، الإحتواء والمحبة
أما التحديات التي تواجه كل ملكة من الملكات التي ذكرت هنا فهي الصفة النقيضة التي يحتاج الفرد الى أن يحاول جاهدا التخلص من شراكها، فعلى سبيل المثال: الإنفاق في النعمة نقيضها البخل والأنانية وحب الذات. الشكر عند فقد النعمة نقيضها العويل والبكاء وعدم الرضاء بإرادة الله واليأس والحسد ، الأمانة نقيضها الخيانة والسرقة والخداع ، البشاشة والسرور نقيضهما الحزن والغضب وعدم الرضاء والكراهية ، العطاء والكرم نقيضهما البخل وحب الذات والأنانية. وهكذا تواجه كل فضيلة ملكوتية تحديا من نقيضها، فإما أن ينتصر الفرد على ضعفه الدنيوى ويرتقي روحانيا أو أن تتحكم به قوى النفس والهوى وعندها يحتاج إلى معاودة الكرة مرة تلو الأخرى بالإضافة إلى الارتكان على قوى روحانية أخرى يمتلكها للانتصار على ضعفه الدنيوي والنجاح في الارتقاء روحانيا
وحيث أن من قوانين لعبة الشطرنج البدأ باللون الأبيض، لذا يستطيع الوالدان استخدام اللون الأبيض للملكات الروحانية، واللون الأسود للتحديات والعراقيل التي تواجه الملكات الروحانية. فعلى سبيل المثال، يحرك الطفل الفيل الأبيض ويقول أنا ملكة الإنفاق، وفي مقابل هذه الحركة مثلا يحرك الوالد أو الوالدة الحصان الأسود ممثلا البخل وحب الذات ويقول (لا لا تنفق مالك على الآخرين، ستصبح فقيرا مسكينا ولن يساعدك أحد)، ثم يحرك الطفل القلعة ويقول أنا ملكة البشاشة، فيحرك الوالد أو الوالدة في مقابل هذه الحركة الوزير الأسود ممثلا الحزن والغضب ويقول ( لماذا البشاشة والسرور وأنت فقير، وهذا الشخص قد أهانك ) و هكذا... شيئا فشيئا يتعرف الطفل من خلال لعبة الشطرنج إلى فضاء لا نهائي من الملكات الروحانية وسيتعرف على التحديات الدنيوية التي تواجه الفرد عندما يحاول الإرتقاء بنفسه . وهكذا يتحول الشطرنج من لعبة ترتكز على القتل والتدمير إلى لعبة ترتكز على تخطي التحديات الدنيوية من أجل اكتساب الملكات والفضائل الروحانية. وبطبيعة الحال، سينتصر الأسود في إحدى المرات وسينتصر الأبيض في مرات أخرى، وهنا يستطيع الوالدان أن يقولا لطفلهما إن انتصر الأسود: ربما في اللعبة القادمة ستتمكن هذه الملكة الروحانية من الإنتصار أخيرا على القوى الدنيوية التي تمكنت منها في هذه اللعبة
|
|