قد خلقتم للوداد لا للضغينة والعناد
يهدف هذا الدرس إلى أن يعلم الأطفال بنبل خلقتهم، وبأنهم خلقوا من الحب، وبأن من خلق من الحب لا يستطيع إلا أن يعكس حبا، وأن
أي انعكاس آخر لا يكون حبا تناقض أصل ومنشأ خلقته
في البداية نحضر أنواع مختلفة من البذور، ونسأل الأطفال أن يحاولوا تمييز كل بذره عن الأخرى وذكر اسمها. فعلى سبيل المثال
بذرة التفاح، الزيتون، البرتقال، التمر، المانجا، الخوخ، الطماطم، الأواكادو، الكيوي، الخس، البطيخ، وغيرها من بذور النباتات
والفواكه والخضار. بعد أن يتم معرفة كل بذرة، نسأل الأطفال بأن يذكروا بعض الخواص التي ستظهرها البذرة عندما تنمو وتظهر
النبتة التي بأعماقها. فمثلا بذرة البرتقال، ستظهر منها ثمرة البرتقال، لذا نطلب من الأطفال أن يصفوا مذاقها وفوائدها وشكلها ولونها
ثم نسأل الأطفال، بعد أن يذكروا ثمرة كل بذرة أمامهم: هل يمكن لهذه البذرة (ونشير لبذرة البرتقال مثلا)، ان تتغير في أي مرحلة من
مراحل حياتها ونموها إلى بذرة تفاح؟ وسيجيب الأطفال بالنفي. ثم نسألهم: هل يمكن لهذه البذرة في أي مرحلة من مراحل حياتها أن
تقرر بنفسها وتختار أن تتغير إلى تفاح؟ فيجيب الأطفال بالنفي. ثم نسألهم مرة أخرى: هل تستطيعوا أن تشاهدوا الآن بأعينكم شجرة
البرتقال وثمارها في هذه البذرة الصغيرة؟ فيجيب الأطفال بالنفي. فنخبرهم، ولكننا نعلم وكلنا ثقة، بأن في أعماق هذه البذرة شجرة
برتقال، وأنها عندما تنمو فستنمو لتصبح شجرة برتقال وليست شجرة تفاح
ثم نسأل الأطفال، ترى إلى ماذا تحتاج هذه البذرة حتى تنمو؟ ونحاول بقدر الامكان أن نشرح كل عامل من عوامل النمو التي تحتاج
إليها بذرة البرتقال في رحلة نموها. بعد أن نسمع إلى إجابات الأطفال : الماء والهواء، والرعاية، والشمس، والسماد، والتراب
والحشرات في التراب، نشرح لهم بأن كل هذه العوامل المتوفرة لنمو البذرة والتي تحتاج إليها في رحلة نموها هي من مظاهر حب
الخالق لها. ففي البداية، نشأت البذرة لأن الله أحب خلقها فخلقها. فهي نشأت من الحب، من حب خالقها. فالله إن لم يكن يحبها لما كان قد خلقها. لذا فهي خلقت من الحب. وفي الخطوة التالية، لأن الله يحبها، هذه البذرة الصغيرة التي لا نرى فيها شيئا، فإنه أحاطها بالحب كي تنمو وتظهر ما يكمن في جوهرها من جمال وكمال. وكل ما خلق الله لها من عوامل تحتاجها لنموها هي في الحقيقة تمنح ما تمنحه
للبذرة لحبها لها وليس العكس. لأنها إن كانت تكرهها لما منحتها من مواهبها. وقد خلق الله لها الشمس ومن الشمس بدئت الحياة على
الأرض
فلولا الشمس، لما كانت الأرض. وتعتبر الشمس منبع الحب الذي يظهر من خلالها كل عوامل الحب الأخرى التي تحتاج إليها
البذرة لتنمو إلى كمالها وجمالها. فلولا الشمس، لاختفت مظاهر الحياة من الأرض. ومع أن الشمس تمثل بداية الحياة على الأرض
ومنبع الحب الذي يظهر منه كل ما تحتاج إليه البذرة لتنمو في الأرض، إلا أنها تمنح حبها أيضا بطريقة مباشرة للبذرة من خلال نورها
وحرارتها. فالبذرة محاطة بحب الشمس، مرة من خلال الحب المباشر الذي يصلها في نورها وحرارتها ومرة أخرى من خلال مظاهر
الحياة التي تحيط بها والتي لولا الشمس لما وجدت
خلقت البذرة من الحب، فلأن الخالق أحب أن يخلقها فقد خلقها. فهي خلقت من الحب. ولأن الخالق يحبها فقد خلق الشمس كي تمنحها
الحب التي تحتاج إليه للنمو صوب كمالها وجمالها. ولأن الشمس تحب البذرة أحاطتها بكل مظاهر الحب التي تحتاج إليها. تحتاج البذرة إلى أرض تزرع فيه، فتحتويها الأرض بكل محبة وتمنحها كل ما تحتاج إليه من معادن وفيتامينات لنموها. تحتاج البذرة إلى الماء
فيصلها الماء من السحاب، التي تنهمر على البذرة بكل حب وتسقيها كن تنمو صوب كمالها. ويصلها الماء من الأنهار، والجداول
والآبار والبحيرات. تمنحها الأنهار ماؤها بكل حب كي تستطيع البذرة أن تنمو صوب كمالها وجمالها. وتحتاج البذرة إلى الهواء
والأكسجين، ويصلها الأكسجين من التراب ومن الفضاء الذي يحيط بها. خلقت البذرة من الحب، وهي تنمو بالحب، حب الشمس
حب الماء، حب الهواء، حب الأرض ، حب التراب. فحالها يشبه حال قطعة من الأسفنج وضع في الماء، فنجده امتلأ بالماء وأصبح
مشبعا به. وكذلك بذرة البرتقال هذه، قد امتلأت بالحب وأصبحت مشبعة به. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تستطيع هذه البذرة
التي خلقت من الحب، والتي تشبعت حبا ، والتي امتلأت حبا أن يظهر منها أي شيء آخر غير الحب؟؟ يعتبر الحب الهوية التي خلقت
منها وبها وعليها هذه البذرة. ولأنها خلقت من الحب ونمت بالحب فإن وجوديتها لا تعكس شيئا سوى الحب. ولكن كيف يمكنها أن تمنح
الحب للشمس أو للغيم أو للنهر؟ من إحدى الخصائص الذاتية للحب، أنها تمنح دون انتظار للمقابل، ودون احتياج لهذا المقابل، ودون أن
ينقص العطاء من ثرائها في ذاتيتها. لذا فإن بذرة البرتقال لن تستطيع يوما، وإن حاولت للأبد، أن تعيد الحب الذي استلمته من الشمس
والنهر والأرض والهواء إليهم مرة أخرى. ليس هذا هو الهدف الذي خلقت من أجله بكل هذا الحب، بل الهدف أن تظهر من جوهرها كل الكمال والجمال والثمار التي تكمن فيها، لأنها بثمارها تستطيع أن تمنح الحب في العالم الذي تعيش فيه. فلأنها خلقت من الحب وبالحب
لذا فإن كل ثمرة تظهر منها مشبعة بالحب وتهدف إلى اعطاء الحب
إن كان كل هذا الحب لبذرة صغيرة لا نرى فيها شيئا فهل نستطيع أن نتخيل الحب الذي خلق منه وبه الإنسان؟ خلق الإنسان من الحب
فالله تعالى أحب خلقنا فخلقنا “أحببت خلقك فخلقتك”. فأصل نشأتنا بدئت بالحب. ومن الحب، خلق الله لنا الشمس والأم. ثم نطلب من
الأطفال أن يذكروا مظاهر الحب التي يصلنا من الشمس. ونطلب منهم أن يحددوا مظاهر الحب المباشرة ومظاهر الحب الغير مباشرة
كمثال البذرة أعلاه. ومن الحب، خلق الله الرسل، فهم شمس الهداية للبشر. ومن الحب، خلق الله الأم. ونمنح الأطفال وقتا كافيا كي
يناقشوا ويذكروا مظاهر الحب التي تصلهم من الأم. ونذكر الأطفال، بأن كل واحد منهم يعتبر بذرة أحبها الله ومنحها خصائص ومواهب ذاتية تعكس الحب في وجوديتها. وأن كل واحد منهم هو في الواقع بذرة فريدة يختلف عن الآخرين، لذا يجب عليهم أن ينموا قدراتهم ويصلوا إلى كمال خلقتهم في الذاتية التي خلقوا بها. فبذرة البرتقال تختلف في كمال ذاتيها عن بذرة الزيتون وعن بذرة الطماطم. كل بذرة خلقت من الحب وبالحب، ويعتبر أصل الخلقة هذه نقطة اتحاد تلتقي فيها البذور في نشئتها ومنها تتجه كل بذرة صوب رحلة نموها
لاظهار كمالها وجمالها. وكذلك الحال مع الانسان. فكل فرد قد خلق من الحب، لذا يعتبر أصل خلقته من حب الله له، نقطة اتحاد يلتقي
فيها مع كل انسان آخر في هذا الوجود. ثم نسأل الأطفال: كيف يستطيع هذا الانسان الذي خلق من الحب، حب الله له، ونمى بالحب في كل لحظة من مراحل نموه عن طريق مظاهر الحب التي خلقها الله له، كيف يستطيع هذا الانسان الذي ظهر من الحب، وملئ حبا
وتشبع حبا أن يظهر منها شيئا غير الحب؟ كيف يستطيع هذا الانسان الذي شرب حبا وأكل حبا ونمى بالحب أن يظهر منه ثمار غير
ثمار الحب. وكيف يستطيع هذا الانسان أن يكره وينبذ ويقتل انسانا اخر خلقه الله لحبه له، كأن يقتل البرتقال الخس لأنه يختلف عنه
وهنا نسأل الأطفال، ترى هل تظنون أنكم خلقتم من الحب وبالحب؟ ونسمح لكل واحد منهم بأن يشرح مظاهر الحب في حياته
ثم نسألهم: هل رفضنا لمن يختلف عنا في الدين أو اللغة أو الجنسية أو اللون يعتبر حبا؟ هل كرهنا لهذا وذاك من البشر يعكس الحب
الذي خلقنا منه وبه؟ ونطلب من الأطفال أن يناقشوا إن كان الحرب والتعصب يعتبر حبا ، وإن كان الانسان يظهر من خلاله كماله
وجماله التي خلقهما الله في ذاتيته؟ وبالرجوع إلى مثال البذرة، نسأل الأطفال عن الطريقة التي يستطيع بها اي انسان أن يظهر ثماره
التي خلقت في ذاتيه. فالشمس تظهر حبها عندما تمنح النور والحرارة، والنهر تظهر حبها عندما تمنح الماء، فكيف يستطيع الانسان
ان يظهر حبه بغير العطاء؟ ونشرح للأطفال بأن عطاء الشمس يختلف في كنهيته عن عطاء النهر. رغم أن كلاهما حب، إلا أنه أحدهما جاف والآخر بلل، وأحدهما حار والآخر تمنح البرودة. ولكن البذرة تحتاج إلى كليهما، إلى كلي هذا النوعين من الحب كي تنمو في
كمالها وجمالها. فمظاهر العطاء تختلف باختلاف جوهر العطاء الذي ذوتت منه، ولكن العطاء يظل عطاء، والعطاء ينبع من ذاتيته
الحب والعطاء هي الخدمة، والخدمة هي اظهار الحب الذي خلق منه وبه الانسان
ونشرح للأطفال، بأن بذرة البرتقال عندما نمت صوب كمالها ظهرت منها ثمار البرتقال. وتعتبر هذه الثمار هي جوهر ذاتيتها التي
خلقها الله فيها بالحب وأحاطها بالحب كي تنمو. ولأن البذرة ممتلئة بالحب، فإن ثمرتها مشبعة بالحب، وهكذا تعكس بذرة البرتقال حبها من خلال عطاء ثمرتها، وعطاء ثمرتها هي الخدمة، فالخدمة تعتبر حبا. وبما أن الحب أصل نشأة البذرة، وأصل نشأة الانسان، إذن فإن الخدمة يعتبر جزءا لا يتجزأ من أصل نشأتنا وأصل نشأة البذرة، فنحن خلقنا من الحب، وملئنا بالحب، وتشبعنا بالحب، لنخدم
ونذكر في هذه المرحلة عاملا آخر من عوامل الحب التي تحتاج إليها البذرة لنموها، وهي تختلف كثيرا في صفاتها عن العوامل الأخرى
وغالبا ما ينقصها صفة الجمال. وهذا العامل هو السماد. ونشرح للأطفال، رغم أن السماد لا يمثل الجمال في شيء لا في شكله ولا في
رائحته، إلا أنه يعتبر من العوامل المهمة التي تحتاج إليها البذرة بشدة كي تنمو وتظهر كمالها وجمالها للوجود. وتشبه الصعوبات و
الامتحانات الإلهية والبلايا السماد للانسان. فرغم صعوبتها ومظاهر الألم التي تعكسها، إلا أنها تعتبر من أهم العوامل التي تساعد
الانسان على النمو صوب اظهار كماله وجماله. ثم نشرح للأطفال بأنه رغم أن بذرة البرتقال تحتاج إلى السماد كي تنمو وتظهر الكمال المكنون فيها من شجرة وثمار برتقال، إلا أن لم يحدث أبدا أن وجدنا أثار السماد، أو طعمه، أو رائحته، أو شكله في ثمرة البرتقال
فالسماد لا تغير من هوية البذرة ولا من ذاتيتها ولا من كمال ثمارها وجمالها، وكذا الحال بالنسبة للصعوبات التي يواجهها الانسان في حياته، فهي لن تغير من جمالية ذاته ولا من كمال جوهره ولا من القوى المكنونة في وجوديته
“دع قلبك يشتعل حبا ومودة لكل من تصادفه في طريقك”