لا تنس فضلی في غيبتي ثمّ ذكر ايّامی في ايّامك
حضرة بهاءالله، لوح أحمد
* رأس الاحسان * هو اظهار العبد بما أنعمه اللّه و شكره فی كلّ الأحوال و فی جميع الأحيان *
44حضرة بهاءالله، لوح أصل كل الخير ، ص
يعتبر الشكر والثناء من أحد الخصائل الملكوتية التي يحتاج الوالدان إلى تربية ذاتية طفلهما على قدسية مفاهيمها منذ صغر سنه. يتفضل حضرة بهاءالله " الهی الهی أشكرك فی كلّ حال و أحمدك فی جميع الاحوال" (أدعية حضرة المحبوب، ص 49). يشرع غالبا الوالدان في تعليم الطفل مبكرا كلمتى الشكر والإعتذار: " شكرا" و "آسف". فيعلّمان الطفل بأن يقول "شكرا" عندما يمنحانه شيئا وأن يعتذر إن أخطأ ويقول " أنا آسف". لا شك بأن هاتين الكلمتين إن تشربت بهما ذاتية الطفل فستعكسان سجاياه الحميدة في مستقبل نشأته الأخلاقية حيث سيتذكر دائما أن يشكر إن أحسن أحدهم إليه وأن يعتذر إن أخطأ هو في حق أحدهم. بطبيعة الحال، عندما يكبر الطفل قليلا في قدراته الإدراكية يبدأ الوالدان في توسيع دائرة مفاهيم طفلهما حول الأشخاص والأشياء التي تستحق منه احساسه بالشكر واظهاره للإمتنان. هنا يتعرف الطفل على الله وعلى حضرة عبدالبهاء ويُخبر بأن اليد التي يملكها هي في الحقيقة نعمةٌ من الله: إن الله قد وهبك يدك، ترى ماذا يجب أن نقول لله؟ فيتعلم الطفل بأن عليه أن يشكر شيئا لا يراه اسمه الله لأنه يرى ما وهبه له في جسده. صحيح أنه لا يرى الله ولكنه يرى يده وهذه الرؤية كافية لإظهار شكره اتجاه هذه النعمة التي حصل عليها. وعلى سبيل المثال يُخبر الطفل بأن والديه هما هدية حضرة عبدالبهاء له: إن حضرة عبدالبهاء قد منحك والديك ( أوأباك) (أو أمك) حتى يرعيانك ويحبانك ويحميانك، ترى ماذا يجب أن نقول لحضرة عبدالبهاء؟ ويتعلم الطفل بأن عليه أن يشكر حضرة عبدالبهاء الذي لم يشاهد إلا صورته ولكنه يرى بوضوح أثر نعمته في حياته. صحيح أنه لم يقابل يوما حضرة عبدالبهاء ولكنه يرى يوميا والديه (أباه) أو (أمه) وهذه الرؤية كافية لإظهار شكره اتجاه هذه النعمة التي وُهبت له
باختصار، يُنشأ أغلب الوالدين طفلهما منذ نعومة أظفاره على خصلتين أساسيتين: أولهما أن الشكر تكون للأشياء المرئية، وثانيهما تثمينه للماديات وتقديره للمرئيات وهذه يجب أن تعكس آثارها جليا في جوانب حياته. فيتعلم الطفل أن يشكر حصوله على تلك النعم التي يلمسها ويراها بحواسه الخمسة المجردة ويتعلم بأن الشكر تكون فقط عند حدوث فعل الحصول على شئ وما غير ذلك لا يتوجب منه الشكر. في الوهلة الأولى قد يظن الوالدين بأن تربية الطفل على هذه الخصلة لوحدها وإن لم تتعد إلى غيرها ما تزال كافية لغرس الأخلاق الحميدة فيه ، فمن أحد المشاكل المعاصرة في عالمنا الحديث هي الانخفاض الملموس في عدد أولئك الذين يلفظون بكلمة الشكر ناهيك عن العرفان بالجميل. ولكن ورغم هذه النظرة الإبتدائية حول حيثية تربية خصلة الشكر في كيان الطفل إلا أن أبعادها المستقبلية تظهر العكس. صحيح أن أحد المشاكل المعاصرة في عالمنا الحديث هي الانخفاض الملموس في عدد أولئك الذين يلفظون بكلمة الشكر ناهيك عن العرفان بالجميل ولكن أيضا من أحد المشاكل المعاصرة في عالمنا الحديث هي الانخفاض الملموس في عدد أولئك الذين يشعرون بالرضاء ويشكرون تلك النعم التي يملكونها، حيث يدور أغلب الناس في دوامة لا نهائية من تلك الأشياء التي لا يملكونها ويرغبون بالحصول عليها. بطبيعة الحال، فهم سيقولون حتما شكرا إن حصلوا على تلك الأشياء، ولكن في خضم بحر انتظارهم فهم أولا ينسون تلك النعم التي يملكونها وثانيا وهذا هو المهم فهم دائما في حال من الشكوى والتذمر. هل حقا رغب الوالدان اللذان ربيا طفلهما على هذه النوعية من الشكر أن يكبر ليصبح فردا
متذمرا شاكيا أم تمنيا حقا أن يخلقا منه ذاتية شكوره؟ كم نرى في حياتنا اليومية أشخاصا يتأوهون لعدم امتلاكهم للصحة أو للمال أو لأي شئ آخر ترتبط بالدنيويات وقد نسيوا ما نصحنا به حضرة بهاءالله شرطا للقائه في كلماته المكنونة: يَا ابْنَ الإِنْسانِ، افْرَحْ بِسُرُورِ قَلْبِكَ، لِتَكُونَ قابِلاً لِلِقائِي وَمِرآةً لِجَمالِي
من إحدى الأساليب الروحانية التي يستطيع الوالدان اتباعها عند تربية طفلهما على صفة الشكر هي تنمية بصيرته لمشاهدة ما لا يستطيع أن يدركها بحواسه الخمسة وتربيته على تثمين اللاماديات وتقديره لللامرئيات التي تقع خارج دنياه اللحظية، وتنمية إدراكاته الذاتية بحيثية يتعلم فيها أن الشكر لا يكون فقط عند الحصول على شئ ما بل يكون في حالات كثيرة عدم الحصول على هذا الشئ موجبا للشكر. يستطيع الوالدان تنمية حالة الشكر في طفلهما بدلا من صفة الشكر (شكور). فحالة الشكر (شاكر) هي حالة تدوم بدوام كينونته ولا تتحدد بالماديات فهو سواءٌ في الحالتين: أن ملك شيئا أو فقد شيئا. بالإضافة إلى ملكة الشكر يستطيع الوالدان تنمية ملكة الحمد والثناء عند طفلهما . تعتبر ملكة الحمد من إحدى الملكات الروحانية التي يستطيع الوالدان ان يربيا طفلهما عليها حيث أنها أعم وأشمل من الشكر. فقد جاء في معجم المعاني : الثناء عليه بالفضيلة، وهو أخص من المدح وأعم من الشكر، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، ومما يقال منه وفيه بالتسخير، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه، والحمد يكون في الثاني دون الأول، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة، فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا
نستطيع تربية الطفل على تنمية ملكة الشكر والحمد في كيانه من خلال النشاط التالي. نطلب منه أن يرسم بداية جسم انسان كامل على ورقة بيضاء، ثم نطلب منه أن يرسم على قصاصات ورقية مختلفة كل على حدة أعضاء حواسه الخمسة: اليد والعين والأذن والفم والأنف. ثم نعطيه قصاصتين لكل عضو، فمثلا قصاصتين للعين، وقصاصتين للأذن وهكذا حتى يصبح عنده عشرة قصاصات. ثم نطلب منه بأن يرسم شيئا إيجابيا لكل حاسة من حواسه يستطيع أن يستخدمها فيها . وفي الخطوة التالية نطلب منه أن يرسم على القصاصات المتبقية كل على حدة شيئا سلبيا نتيجة فقدانه أو عدم استخدامه لعينه وأذنه وأنفه ويده وفمه. وعندما ينتهي الطفل من الرسم على جميع هذه القصاصات نطلب منه أن يشرح لنا القصاصة السلبية والقصاصة الإيجابية التي رسمها لكل حاسة . في الخطوة اللاحقة نعطيه وردة ونطلب منه ان يرسم قصاصة إيجابية وقصاصة سلبية لكل حاسة من الحواس صوب هذه الوردة. ثم نطلب منه أن يُبعد قصاصة إيجابية من إحدى الحواس ويضعها على جنب، على سبيل المثال العين فيبقى العين بقصاصة سلبية توحي مالا يمكن للطفل أن يشاهده أو النتيجة السلبية التي سيواجهها إن أصبح أعمى وفقد قدرته على النظر. ثم نطلب منه أن يُبعد كل القصاصات السلبية من الحواس الأربعة الأخرى بحيث لا تبق إلا القصاصات الإيجابية ظاهرة للعيان. وشيئا فشيئا نستطيع أن نساعد الطفل كي يوسع أفق إدراكاته من مدار السلبيات ومالا يملكه إلى كل الإيجابيات التي لا يراها رغم أنها جزء من وجوديته. ونستطيع أن نكرر هذا التمرين مع كل حاسة من الحواس الخمسة ثم نضيف إليها الأجزاء الأخرى في جسم الإنسان كالرأس والقدم
في النشاط أعلاه، حيث يبقى الطفل مع قصاصة سلبية تعكس نتائج فقدانه لحاسة البصر وأربعة قصاصات إيجابية لإمتلاكه الحواس الأخرى نساعد الطفل على تبديل القصاصة السلبية بالقصاصات الإيجابية بداية فرادية ومن ثم كمجموعة كاملة. فمثلا إن رسم الطفل على قصاصته السلبية وردة ولوّنها بالأسود دلالة على أنه لا يستطيع رؤية جماليتها، نبعد أولا القصاصة السلبية ونستبدلها بقصاصة الشم الإيجابية ونقول له: ولكنك تستطيع أن تشم هذه الوردة. ثم نبعد هذه القصاصة الإيجابية ونستبدلها بقصاصة اللمس الإيجابية ونقول له: وتستطيع أن تلمس هذه الوردة وتدرك مدى جمالها ونعومتها. ثم نبعد هذه القصاصة الإيجابية ونستبدلها بقصاصة التذوق الإيجابية ونقول له: ويمكنك أيضا أن تضع قطعة صغيرة من إحدى أوراق هذه الوردة في فمك لتتذوق رحيقها. ثم نبعد هذه القصاصة الإيجابية ونستبدلها بقصاصة السمع الإيجابية ونقول له: وحتما يمكنك أن تستمع إلى أزيز النحل وهي تطير بسعادة حول هذه الوردة. ثم نحضر جميع القصاصات الإيجابية ونضعها حول مدار شكل الإنسان الكامل التي رسمها أولا في التمرين السابق ونقول للطفل: انظر إلى هذا الإنسان قد لا يملك القدرة على رؤية هذه الوردة ولكنه ما يزال يملك قدرات كثيرة أخرى يستطيع من خلالها التعرف على مدى جمالية هذه الوردة
هو اللّه تعالی شأنه العظمة و الاقتِدار
الهی الهی أشكرك فی كلّ حال و أحمدك فی جميع الاحوال * فی النّعمة الحمد لك يا اله العالمين و في فقدها الشّكر لك يا مقصود العارفين * في البأساء لك الثّناء يا معبود من فی السّموات و الارضين و فی الضّرّاء لك السّناء يا من بك انجذبت أفئدة المشتاقين فی الشّدّة لك الحمد يا مقصود القاصدين و فی الرّخاء لك الشّكر يا أيّها المذكور فی قلوب المقرّبين * فی الثّروة لك البهاء يا سيّد المخلصين و في الفقر لك الامر يا رجاء الموحّدين* في الفرح لك الجلال يا لا إله إلّا أنت و في الحزن لك الجمال يا لا إله إلّا أنت * في الجوع لك العدل يا لا إله إلّا أنت و في الشّبع لك الفضل يا لا إله إلّا أنت * فی الوطن لك العطاء يا لا إله إلّا أنت و فی الغربة لك القضاء يا لا إله إلّا أنت * تحت السّيف لك الافضال يا لا إله إلّا أنت و فی البيت لك الكمال يا لا إله إلّا أنت* فی القصر لك الكرم يا لا إله إلّا أنت و فی التّراب لك الجود يا لا إله إلّا أنت * فی السّجن لك الوفاء يا سابغ النّعم و فی الحبس لك البقاء يا مالك القدم * لك العطاء يا مولی العطاء و سلطان العطاء و مالك العطاء أشهد انّك محمود فی فعلك يا أصل العطاء و مطاع فی حكمك يا بحر العطاء و مبدأ العطاء و مرجع العطاء
أدعية حضرة المحبوب ، ص 49