التأمل والعمل توأمان
يتفضل حضرة عبدالبهاء
اتلوا الكلمات المكنونة ودققوا بمضمونها واعملوا بموجبها. وايضا اقرأوا الطرازات والكلمات والتجليات والاشراقات والبشارات وتمعّنوا وتحركوا بموجب تلك التعاليم الإلهية حتى يصبح كل واحد منكم شمعا مضيئا وسراجا وهاجا بين الجمع، ومثل الوردة التي تعبق الاجواء برائحتها الطيبة
(مكاتيب عبد البهاء، ج3، ص93)
ترتكز هذه الحلقة الدراسية على محور أساسي، يهدف إلى تعريف الطفل بأن التأمل والتفكير في معاني الكلمات الإلهية التي يتلوها لا تعني أبدا التعريف الشائع عن كنيهة التأمل بكونها استغراق ذهنيّ في حالة من الملاحظة الداخليّة للحالات الشعوريّة أو الانفعاليّة التي يحسّ بها الفرد أو تلك الحالة التي يستسلم فيها الإنسان لما يمرّ في خاطره من معانٍ وأفكار يكون فيها الفكر مستسلمًا لذكريات وصور مُبهمة
من المفاهيم الشائعة عن حالة التأمل والتفكير، بأنها حالة ذهنية داخلية تشبه كرحلة فكرية أو روحانية غير مرئية يقوم بها الفرد. وغالبا ما ترتبط هذه الرحلة الفكرية الروحانية الداخلية بحالة من الانعزال المكاني وانفصال بيئي عن كل ما من شأنه ان يعرقل التقدم في هذه الرحلة صوب حالة يشعر فيها الفرد بأنه يطفو فوق كل حدودات المكان والزمان. وغالبا ما يهدف هذا الانفصال إلى تحرير الفرد من سجن العالم المادي الذي يحد تفكيره أو مشاعره أو كل ما يتعلق بوجوديته. جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة ما يلي عن معنى تأمل : I تأمَّلَ/ تأمَّلَ في يتأمَّل، تأمُّلاً، فهو متأمِّل، والمفعول متأمَّل • تأمَّل الأمرَ/ تأمَّل في الأمر: تروّى في النَّظر فيه، وتبصَّر فيه مليًّا ليتحقّق ويستيقن منه بإمعان [مفرد]: ج تأمُّلات (لغير المصدر): 1- مصدر تأمَّلَ/ تأمَّلَ في. 2- استغراق ذهنيّ أو حالة يستسلم فيها الإنسان لما يمرّ في خاطره من معانٍ وأفكار، تفكير متعمِّق في موضوع يتطلّب تركيز الذهن والانتباه "يقضي بعض أوقاته في التأمُّل"| تأمُّلات فلسفيَّة: حالة ذهنيَّة واعية يكون فيها الفكر مستسلمًا لذكريات وصور مُبهمة. تأمُّل باطنيّ أو ذاتيّ: استبطان؛ وهو الملاحظة الداخليّة للحالات الشعوريّة أو الانفعاليّة التي يحسّ بها الفرد
فنبدأ هذه الحلقة بسؤالنا عن السبب الذي من أجله ربط الله بين تلاوة الآيات الإلهية في كل صباح ومساء وبين العهد والميثاق في كتابه الأقدس ” اتلوا آيات الله في كل صباح ومساء ان الذي لم يتل لم يوف بعهد الله وميثاقه “. هل يحتاج الله تعالى إلى دعائنا؟ ونسمح للأطفال بأن يجيبوا على هذا السؤال كل على مقدار فهمه لهذه الآية الكريمة. ثم نسألهم لماذا حدد الله تلاوة الآيات الإلهية بزمنين فقط، زمن يبدأ في الصباح وزمن ينتهي في المساء؟ وهنا أيضا نسمح للأطفال بأن يجيبوا على هذا السؤال كل على مقدار فهمه. من المهم جدا تشجيع الأطفال على التأمل والتفكير واعطاء الإجابات، فهذا التدريب يساعدهم على التعمق في فهم معاني الكلمات الإلهية. وبعد أن نستمع إلى اجاباتهم، نسألهم: إذا كان علينا أن نتلو الآيات الإلهية فقط في زمنين: الصباح والمساء، ترى مالذي يجب علينا أن نفعله في ذلك الزمن الذي يقع بين هذين الزمنين، أي بكلمة أخرى ماذا نفعل في هذا الزمن بين الزمنين الذي يشكل في الواقع يومنا بأكمله؟ ونشرح للأطفال بأننا لا نتحدث عن يوم واحد أو يومين أو عشره أيام، بل إن جوابنا يعكس في طياته هذا الزمن الذي يقع بين الزمنين: الصباح والمساء إلى آخر يوم في حياتنا المادية الجسدية في هذا العالم. كل يوم نعيشه فإننا نبدأه في الصباح بتلاوة الآيات الإلهية وننهيه في المساء بتلاوة الآيات الإلهية ولكن ماذا عن الزمن الذي يقع بين زمن البداية والنهاية؟ ونستمع إلى إجابات الأطفال
وكي نساعد الأطفال بادراك مفهوم زمن البداية وزمن النهاية، نرسم على ورقة بيضاء نقطة، ونشرح للأطفال بأن هذه هي نقطة البداية وسنسميه زمن البداية. ثم نترك مساحة من الفراغ قبل أن نرسم نقطة أخرى ونشرح للأطفال بأن هذه هي نقطة النهاية وسنسميه زمن النهاية. ونقوم بالتمرين التالي على ثلاث مراحل معهم. في المرحلة الأولى نغطي نقطة النهاية بحيث لا يستطيع الأطفال رؤيتها ونسألهم، إن أردنا أن نتحرك من نقطة البداية فإلى أين سنتجه؟ ونعطي قلما لكل طفل كي يرسم اتجاه حركته
ثم في المرحلة الثانية من هذا التمرين، نكشف عن نقطة النهاية ونغطي نقطة البداية بحيث لا يستطيع الأطفال رؤيتها ونسألهم، إن أردنا أن نتحرك من نقطة النهاية فإلى أين سنتجه؟ ونعطي مرة أخرى قلما لكل طفل كي يرسم اتجاه حركته . ثم نسأل الأطفال، على أي أساس اخترتم حركتكم واتجاهكم ؟ وستختلف إجابات الأطفال على هذا السؤال عن بعضها البعض . ثم نقص الورقة في المرحلة الثالثة بحيث لا يتبقى بها سوى النقطتين ومساحة الفراغ بينها. ونسأل الأطفال، إذا أردنا أن نتحرك من نقطة البداية ترى أي مسار سنختار، مع العلم بأننا لا نستطيع أن نخرج عن حيز الورقة التي أمامنا، لإن خروجنا عن حيز الورقة معناه الموت. ونعطي لكل طفل قلما ليرسم مسار اتجاهه. في هذا التمرين، ولأن الأطفال لا يستطيعون أن يرسموا بأقلامهم إلا في مساحة الفراغ المتواجدة بين النقطتين، فإنهم لا يملكون إلا أن يرسموا ما يرسمونه خطا مستقيما أو خطا لولبيا أو خطا متقطعا أو أي نوع من أنواع الخطوط يصل بين نقطة البداية ونقطة النهاية
ثم نشرح لهم، نستطيع أن نختار التجمد على نقطة البداية، أو التجمد على نقطة النهاية، ولكننا إن تجمدنا ولم نتحرك فإننا لن نصل البداية بالنهاية. وكأننا نختار بأن نعيش من عمرنا زمن الصباح فقط أو زمن المساء فقط، هل نملك هذا الاختيار بأن نعيش زمنٌ واحد فقط من زمن اليوم الأرضي؟ ونترك للأطفال مجالا كي يجدوا جوابهم على هذا السؤال. ثم نسألهم، كيف استطعنا أن نصل بين الزمنين أو النقطتين على هذه الورقة؟ ويجيب الأطفال بأنهم رسموا خطا من نقطة البداية إلى نقطة النهاية. ونسألهم: هل نستطيع أن نقول بأننا قمنا بعمل ما عندما رسمنا هذا الخط؟ وبطبيعة الحال سيجيب الأطفال بالإيجاب
وهنا نشرح للأطفال أن من فضل الله علينا أنه حدد حيز زمننا اليومي بين نقطتين، البداية في الصباح والنهاية في المساء بتلاوة الآيات الإلهية. ونسألهم: ترى لماذا حدد الله زمننا اليومي بين هاتين النقطتين؟ وكي نساعدهم على استنباط الإجابة نذكرهم بالمرحلة الأولى والثانية في التمرين السابق. فعندما لم يحد الورقة شيء، اتجه كل طفل إلى المسار الذي يرغب فيه. بينما في المرحلة الثالثة لم يملك الأطفال خيارا إلا بالتوجه إلى المسار المحدد الآمن لهم، وهذا المسار يشبه الخط المستقيم أو الصراط المستقيم. ثم نسألهم مرة أخرى، لماذا طلب منا حضرة بهاءالله أن نتلو” آيات الله في كل صباح ومساء “؟ ونساعدهم في معرفة أن بتلاوتنا للآيات الإلهية في زمني البداية والنهاية في كل يوم فكأننا نتخذ الطريق الذي اختاره الله لنا، أي نسلم إرادتنا لإرادته واختياره بدلا من أن يتجه كل منا إلى مسارات قد لا تؤدي إلى ما اختاره الله لنا. وإن نقطتي البداية والنهاية تضمن لنا بأننا سننجح في رسم خط كامل يصل بينهما
وهنا نذكر الأطفال مرة أخرى بما قاموا به في التمرين الأخير من أخذ القلم والشروع برسم خط بين النقطتين. ونشرح لهم أن لولا قيامهم بعملية الرسم لما كان الخط موجودا. ثم نسألهم: ترى ما رأيكم في هذا الزمن الذي يقع بين زمني البداية والنهاية؟ ما فائدته؟ لماذا لم يطلب منا الله ان نملأه أيضا بتلاوتنا للآيات الإلهية؟ ترى ألم يكن بامكان الله أن يأمرنا بأن نتلو ونتلو ونتلو كلماته منذ الصباح إلى المساء إلى أن تنتهي حياتنا؟ لماذا حدد الله مسارنا بين نقطتين ثم ترك تلك المساحة بينهما فارغة؟ ونسمح للأطفال مناقشة هذه الأسئلة ونشجعهم على التعمق والتأمل والتفكير في بعض مفاهيم هذه الآية المباركة
يتفضل حضرة شوقي أفندي ولي الأمر
إن الدعاء والمناجاة عنصران هامان في تعميق الحياة الروحية للأفراد ولكن يجب أن يصاحب ذلك الفعل والعمل حيث إنهما النتائج الملموسة للدعاء والمناجاة. كلاهما أمران هامان
من رسالة كتبت بالنيابة عن شوقي أفندي إلى أحد المؤمنين بتاريخ 15 ايار / مايو عام 1944
من أهم المفاهيم الجديدة التي سيتعرف عليها الطفل في هذه الحلقة الدراسية هو مفهوم التأمل والتفكير في كلمات ومعاني الآيات الإلهية، حيث سيتعلم الطفل بأن التأمل والتفكير لا ينتهيا بفعل إدراكه لمعنى الآيات والكلمات التي يقرؤها، بل أن التأمل والتفكير لهما خاصية ذاتية لا تكتمل خاصية الإدراك إلا بها وهي العمل أو الفعل الذي ينتج عن إدراك الفرد لمعاني الآيات والكلمات التي يقرأها ، وتعتبر هذه شرطية أساسية في هذه السلسلة المتكاملة التي تصل إلى اكتمالها باستقبال التأييدات الإلهية. فالتأمل والتفكير لا تعني الولوج إلى حالة ذهنية متحررة عن أسورا المادية ومن ثم التجمد في غياهب هذه الرحلة اللامرئية. ونشرح للأطفال إن هذا التأمل والتفكير الذي لا يؤدي إلى أي نتائج عملية ملموسة في حياة الانسان وعلى أرض الواقع يشبه في حالته حالتنا في التمرين السابق إن اخترنا أن نتجمد عند نقطة واحدة ورفضنا الامساك بالقلم ورسم خط بين النقطتين. وهذا التجمد اللانهائي في تأملاتنا الذهنية التي تبدأ وتنتهي بأذهاننا لن يساعدنا في الوصول إلى تحقيق الهدف من رحلتنا اللامرئية. فالهدف من رحلتنا اللامرئية هي ان نرسم خطا بين البداية والنهاية سواء أكانت هذه البداية بداية يومنا والنهاية نهايته وسواء أكانت هذه البداية بداية حياتنا والنهاية نهايتها وسواء أكانت هذه بداية أي شيء وكل شيء آخر والنهاية نهايته. ونشرح للأطفال بأنه لن يتحقق الهدف من التأمل والتفكير في هذه الرحلة اللامرئية التي يعيشها الفرد في ذهنه إن لم يكمل رحلته اللامرئية بعمل مرئي ونذكرهم بالتمرين السابق حيث أنهم نجحوا بأن يصلوا بين نقطة البداية ونقطة النهاية فقط عندما قاموا بفعل ما وكان الفعل في هذا التمرين فعل الرسم