يعتبر الإنصاف من أحد المبادئ الأساسية التي إن نجحت الأم في غرسه في وجودية طفلها فستضمن حريته وسلامته من أن يضيع بخطاه في دروب الجهل والتهلكة. لذا يتوجب عليها بأن تختار منهجية محددة وواضحة الملامح لتعريفه بهذا المفهوم منذ الشهور الأولى من ولادته وذلك حتى تتشرب كينونته من نبع الحرية التي وهبها له حضرة بهاءالله وتنمو في جوانبه بصيرته الروحانية بالتزامن مع نمو بصره الفيزيائي. فيما يلي بعض الإقتراحات التي يمكن للأم اتباعها لتربية طفلها على أن يشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِه لا بِعَيْنِ العِبادِ وَيعْرِفَها بِمَعْرِفَتِه لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ
يتفضل حضرة بهاءالله في الكتاب الأقدس " ان اوّل ما كتب الله على العباد عرفان مشرق وحيه ومطلع امره" ومن نتائج هذا العرفان اتباع الأوامر الإلهية في كليات حياته وجزئياتها. لهذا فإن العين التي تربي الأم طفلها كي يشاهد الأشياء من خلاله هي في الواقع عين مشرق الوحي، حضرة بهاءالله. ولكن حتى تنجح الأم في توجيه مرآة طفلها صوب الشمس لتعكس نوره وحرارته يجب عليها بداية أن تعرفه بالشمس وتجعله قريبا من محبته ودفئه. تستطيع الأم تنمية هذا الإحساس في طفلها منذ نعومة أظافره وذلك من خلال ذكر اسم حضرة بهاءالله على مسامعه يوميا تارة عندما تتلو عليه الآيات الإلهية وتارة أخرى عندما تتحدث معه عن معاني ومضامين هذه الآيات أو تعرفه بإحدى المبادئ الأخلاقية
في المرحلة اللاحقة تغرس الأم في طفلها ميزانا استشعاريا وتدربه على إدراك وجوديته من خلال قياسه بهذا الميزان وهي رضاء حضرة بهاءالله. وتستطيع أن تبدأ بالإيجابيات، فمثلا عندما يساعدها طفلها في ترتيب الغرفة تقول له: شكرا لك أنا راضية جدا عنك وحضرة بهاءالله أيضا راض عنك لأنك ساعدت أمك. أو عندما يتلو دعاءه تقول له مثلا: رائع جدا حضرة بهاءالله راض عنك لأنك تلوت دعاءك. وهكذا تدمج جزئيات حياته اليومية مع رضاء حضرة بهاءالله
تستطيع الأم بعد هذه المرحلة التي تؤكد فيها لطفلها رضاء حضرة بهاءالله عنه، أن تبدأ بسؤاله في المواقف الإيجابية قائلة: هل تظن أن حضرة بهاءالله راض عنك؟ حتى تسنح له الفرصة كي يفكر بنفسه وأيضا حتى تعلمه طريقة استخدامه لهذا الميزان الداخلي للإستشعار الذي غرسته في كيانه ألا وهي رضاء حضرة بهاءالله. فمثلا عندما يشارك لعبته مع صديقه تستطيع الأم أن تسأله: ما رأيك، هل تظن أن حضرة بهاءالله راض عنك لأنك شاركت لعبتك مع صديقك؟ وتعيد عليه هذا السؤال في جميع الجزئيات الإيجابية التي يعيشها طفلها
عندما تتأكد الأم من أن طفلها أصبح قادرا على الإجابة على سؤالها إن كان حضرة بهاءالله راضيا عن عمله تبدأ بتربية قدراته الإدراكية للجواب على هذا السؤال في حيثيته السلبية؛ أي عندما يكون الجواب : لا، حضرة بهاءالله ليس راضيا عن هذا العمل أو هذا القول. من المهم جدا على الأم أن تقود الطفل بتأن وهدوء في هذه المرحلة وأن تتأكد دائما بأن النتيجة النهائية التي يصل إليها طفلها هي رضاء حضرة بهاءالله. بمعنى آخر، عندما يكون الجواب مثلا : لا، لا أظن بأن حضرة بهاءالله راض عن هذا العمل. تسأله الأم، حسنا، ما العمل الذي سيرضى عنه حضرة بهاءالله؟ وتساعده كي يختار من مجموعة من الإختيارات التي تقدمها له ، ثم تقول له، حسنا، لنقوم بهذا العمل حتى يرضى عنا حضرة بهاءالله
بمرور الزمان، يتكون لدى الطفل مخزون كافٍ من الإختيارات الإيجابية التي يستطيع اللجوء إليها لإستبدال عدم الرضاء إلى الرضاء ويصبح بإمكانه الإجابة بنفسه على سؤال أمه له: حسنا، مالعمل الذي سيرضى عنه حضرة بهاءالله؟ وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل خطواته الإيجابية في استخدام بصيرته الروحانية
يبدأ الطفل في سن الثالثة وما فوق بالتأثر بأقرانه وتقليدهم؛ سواء اكان هذا التقليد في تبعيته لأخلاقياتهم السلبية كالضرب والمشاجرة واستخدام الألفاظ النابية أو في تبعيته لإرادتهم وما يقولونه له، على سبيل المثال كأن يأكل فاكهة فاسدة أو يسكب العصير على ملابسه. وتستطيع الأم في هذه المرحلة وما يلحقها بسؤاله : هل أنت عند اقدامك على هذا العمل كنت تشاهد بعينك ، هل كنت تفكر بعقلك، هل حضرة بهاءالله راض عما فعلته؟ وعندما يجيب الطفل: لا، كنت أشاهد بعين صديقي، تستطيع الأم أن تسأله، أيهما تظن سيجعل حضرة بهاءالله راضيا عنك، أن ترى بعينك أم ترى بعين صديقك