بعد اعلان دعوته وقبل استشهاده، احتفل حضرة الباب خمس مرات بعيد النيروز. وقد كان لهذا العيد مكانة عظيمة عنده. ويعتبرالنيروز أول يوم من شهر البهاء، في التقويم البهائي. فسمّى حضرة الباب أول شهر في السنة البهائية التي تتكون من تسعة عشر شهرا باسم محبوبه حضرة بهاءالله، ويبدأ شهر البهاء بالنيروز. ونسب حضرة بهاءالله هذا الشهر إلى نفسه المقدسة وتفضل في كتاب الأقدس”طوبى لمن فاز باليوم الاوّل من شهر البهآء الّذي جعله الله لهذا الاسم العظيم. طوبى لمن يظهر فيه نعمة الله على نفسه انّه ممّن اظهر شكر الله بفعله المدلّ على فضله الّذي احاط العالمين. قل انّه لصدر الشّهور ومبدئها وفيه تمرّ نفحة الحيوة على الممكنات طوبى لمن ادركه بالرّوح والرّيحان نشهد انّه من الفآئزين” (فقرة 111). في عيد النيروز عام 1909 كان حضرة عبدالبهاء حاضرا في جبل الكرمل وفي هذا النيروز وصل حضرة الباب إلى مقره بعد ستين عاما. وتظهر أحداث التاريخ في كتاب مطالع الأنوار، بأن الباب كان يحب أن يشارك بهجة النيروز ويحتفل هذا العيد مع أحبابه
قضى حضرة الباب أول وثاني نيروز بعد إعلان دعوته مع زوجته ووالدته وأهله في شيراز بعد أن كفله خاله في بيته. بعد النيروزالثاني نفي حضرة الباب من شيراز وكان هذا الوداع الأخير بينه وبين أمه وبينه وبين زوجته. فلم يرهما أبدا بعد ذلك اليوم. أما النيروزالثالث فقد احتفل به حضرة الباب في كاشان بينما كان حضرته يقتاد إلى سجن ماه كو في جبال آذربايجان النائية . ولأهمية هذا العيدعنده فقد قرر الباب التوقف لثلاث أيام في كاشان للاحتفال بالنيروز مع أصحابه المؤمنين. وعند قدوم النيروز في السنة الرابعة بعدإعلان دعوته ، كان حضرة الباب سجينا في سجن ماه كو. في أول يوم العيد وصل الملا حسين إلى سجن ماه كو ليحتفل بالنيروز مع حبيبه الباب، وكان الباب ينتظره بشوق عند بوابة السجن ومد ذراعيه واحتضن الملاحسين بكل شوق. كان هذا آخر لقاء بين الملاحسين و الباب إذ استشهد الملاحسين في أحداث قلعة الشيخ طبرسي بعد ستة أشهر من لقائه بالباب. ولكن عندما حان موعد النيروز الخامس بعد إعلان دعوته، كان الباب وحيدا فريدا مظلوما سجينا في قلعة چهريق وقد استشهد الملاحسين والقدوس وكثير من أصحابه فيالأحداث الدامية لقلعة الشيخ طبرسي. وأخذه الحزن على شأن أسكت صوته وأوقف قلمه. ولمدة تسعة أيام رفض أن يقابل أحد ا من أصحابه وكان يرفض ما يقدم له من الطعام والشراب ولا يمسه. كانت الدموع تنهمر من عينيه باستمرار وتنطق شفتاه بعبارات الحزن والاسى دون انقطاع. وللنيروز السادس والأخير قبل استشهاده، طلب حضرة الباب من أحد المؤمنين الذي كان يلقب بالسياح، بأن يذهب إلى قلعة الشيخ طبرسي بألواح الزيارة التي دونها في ذكرى شهداء قلعة الشيخ طبرسي وأمره أن يزور تلك البقعة نيابة عنه وحفزه قائلا: أحضر لي قبضة من ذلك التراب المقدس الذي يغطي بقايا أجساد حبيبي القدوس والملاحسين ليكون تذكارا لزيارتك واجتهد أن ترجع قبل يوم النوروز حتى نحتفل سويا بهذا العيد وهوالعيد الوحيد الذي ربما لن أحضر خلفه في هذا العالم. وهكذا احتفل الباب بالنيروز السادس والأخير بعد اعلان دعوته يرافقه ”التراب المقدس” لبقايا أجساد أحبابه
من كتاب مطالع الأنوار
1845
بعد اعلان الباب لدعوته لحروف الحي، وعودته من سفر الحج الى بوشهر، أرسل حسين خان اليرواني حاكم فارس الملقب أجودان باشي إلى بوشهر خييالة من حرسه الخاص وأعطاهم أوامر مشددة للقبض على حضرة الباب وتكبيله وإحضاره إلى شيراز.وعاد حضرة الباب إلى منزله وأمضى ردحا من الزمن بعيشة هادئة مع أسرته وأقربائه وفي تلك الايام احتفل بأول عيد للنوروز منذ إعلانه دعوته. وقد صادف ذلك العيد في تلك السنة اليوم العاشر من شهر ربيع الأول سنة 1261: 1845
1846
وفي النوروز التالي لدعوة حضرة الباب الذي صادف 21 ربيع الاول سنة 1262:1846 كان حضرة الباب ما يزال في شيراز متمتعا ببعض الراحة والسكون مع أسرته وأهله. واحتفل بهدوء بعيد النيروز في منزله، وحسب عادته أنعم على والدته وزوجته بمحبته وفضله . وبحكمة نصائحه ولطف محبته، فرح قلبيهما وأزال همومهما وأوصى بجميع ممتلكاته لهما وسجلها باسميهما. وفي كتاب وصيته قرر بأن منزله وأثاثه وباقي أملاكه تكون ملكا لوالدته وزوجته، وعند وفاة الاولى يرجع نصيبها إلى زوجته
1847
في صيف 1262: 1846 ودع حضرة الباب موطنه في شيراز وسافر إلى إصفهان وبعد أيام قليلة من وفاة المعتمد في اصفهان، وفاته حصلت في شهر ربيع الاول سنة 1263: 1847أصدر أمرا ملكيا بدعوة حضرة الباب إلى العاصمة . في ليلة اليوم الذي سبق وصول حضرة الباب إلى كاشان، كان الحاج ميرزا جاني قد رأى في المنام كأنه واقف عصرا في ساعة متأخرة على بوابة العطار، إحدى بوابات المدينة، إذ رأت عيناه فجأة حضرة الباب راكبا جواده وعلى رأسه "كله" بدل العمامة التي اعتاد لبسها، وكان في حراسته من الامام والخلف عدد من الخيالة يبدو أنه سلم إلى عهدتهم، وإذ اقترب من البوابة حيياه حضرة الباب قائلا: سوف نكون ضيوفا عليك مدة ثلاث ليال فاستعد للقائنا وفي الساعة المعينة بينما كان يمعن النظر في الافق شاهد عن بعد، مجموعة من الخيالة تتقدم نحو بوابة المدينة. ولما أسرع للقائهم ميزت عيناه حضرة الباب محاطا بحرسه وهم بنفس الملبس والهيئة التي رآهم بها في الرؤيا، فاقترب منه الحاج ميرزا جاني بفرح وانحنى ليقبل ركابه، فمنعه حضرة الباب وقال: ‘سنكون ضيوفك مدة ثلاث ليال. وغد ا هو يوم النوروز فسنحتفل به سويا في منزلك. فطلب الحاج جاني أن يسمح له بدفع مصاريف بقاء الخيالة لثلاثة أيام في كاشان، ولكن حضرة الباب قال له: هذا غير ضروري ولولا إرادتي ما كان يمكن إقناعهم بأن يسلموني ليديك، فكل شيء موكول إلى قبضة قدرته ولن يستحيل عليه شيء فهو يزيل كل صعوبة ويتغلب على كل مانع
1848
من كاشان سيق الباب سجينا الى سجن ماه كو في جبال اذربايجان. وقد توصل الملا حسين سرا إلى المثول أمام حضرة بهاءالله، وبعد التحدث معه قام إلى آذربيجان. وفي الليلة السابقة على وصوله إلى ماه كو التي كانت في عشية النوروز ووافق في سنة 1848: 1264 رأى علي خان رؤيا، قال: رأيت كأني أخبرت فجأة بعزم محمد رسول الله على المجيء إلى ماه كو وأنه سوف يحضر إلى القلعة ليزور الباب وليهنئه بمجيء عيد النوروز. وجعلت هذه الحادثة الغريبة علي خان يشعر باحترام زائد في مسلكه نحو حضرة الباب، وأصبح يقينه في صحة الامر وقوته أعظم من ذي قبل. وبخشوع تام تبع الملا حسين إلى أن وصلوا إلى بوابة القلعة. وما كادت عينا الملاحسين تقع على وجه سيده الذي كان واقفا على عتبة البوابة حتى وقف فجأة وانحنى أمامه ومكث بجانبه دون حراك. فمد حضرة الباب ذراعيه وعانقه بكل شوق. وأمسك بيده واصطحبه إلى غرفته. ثم دعا أحباءه إلى محضره واحتفل معهم بعيد النوروز. وقدمت أطباق الحلوى والفاكهة المميزة أمامه
وبعد مرور عشرين يوما على النوروز، ودع حضرة الباب أهالي ماه كو الذين عرفوا إلى درجة كبيرة قوة شخصيته العظيمة وسموأخلاقه أثناء الاشهر التسعة التي قضاها في الحبس. وكان الملا حسين الذي غادر ماه كو بأمر حضرة الباب لا يزال في تبريز، إذ سمع بأخبار نقل مولاه إلى چهريق كما سبق وتنبأ به حضرته. وقتل الملا حسين في اكتوبر 1848 في قلعة الشيخ طبرسي
1849
وفي يوم النوروز سنة 1265: 1849 أشار القدوس في رسالة موجهة لاصحابه بقرب مجيء امتحانات تجلب في أثرها استشهاد جماعة كبيرة من أصدقائه . وكان وقوع هذه الحادثة من الفظاعة بمكان حتى إن حضرة الباب في حبسه في قلعة چهريق كان غير قادر على الكتابة أو الاملاء مدة ستة أشهر. فحزنه العميق الذي شعر به أوقف صوت الوحي وأسكت قلمه طوال هذ لمدة. فكم كان يندب هذا الفقدان الجسيم وكم كان ضجيجه عندما كانت تتلى عليه وتتمثل أمام عينيه قصة الحصار وما قاساه الاصحاب من الالام المبرحة وخداع الاعداء لهم وذبح المؤمنين جملة واحدة في قلعة الشيخ الطبرسي ان أخبار مصير أبطال قلعة الطبرسي المفجع قد جلبت الحزن العميق لقلب حضرة الباب. وأخذه الحزن على شأن أسكت صوته وأوقف قلمه. ولمدة تسعة أيام رفض أن يقابل أحد ا من أصحابه وكان يرفض ما يقدم له من الطعام والشراب ولا يمسه. كانت الدموع تنهمر من عينيه باستمرار وتنطق شفتاه بعبارات الحزن والاسى دون انقطاع
1850
وبحلول محرم سنة 1266 : نوفمبر 1849، عاد حضرة الباب إلى عمله الذي اضطر لتعطيله. وأول صحيفة كتبها بعد ذلك خصصها لذكرى الملا حسين ففي لوح الزيارة الذي أنزله تكريما له امتدح بعبارات مؤثرة أمانته ووفاءه وخدماته للقدوس في كافة مراحل حصار قلعة الطبرسي، وأطنب في مراثيه في مدح شهامة سلوكه وتعداد مآثره وتأكيد اجتماعه في العالم الاخر برئيسه الذي خدمه بنبل وأمانة. وكتب أنه نفسه سوف يلحق هذين التوأمين الخالدين اللذين أنارا دين الله بضياء أبدي سواء في حياتهما أو مماتهما. واستمر يكتب مدة أسبوع كامل في مديح وفضائل القدوس والملاحسين وأصحابه الآخرين الذين تتوجوا بتاج الشهادة في قلعة الشيخ طبرسي. وما كاد يتمم مراثيه حتى استدعى السياح وائتمنه بألواح الزيارة التي دونها في ذكرى شهداء قلعة الشيخ طبرسي وأمره أن يزور تلك البقعة نيابة عنه وحفزه قائلا: أحضر لي قبضة من ذلك التراب المقدس الذي يغطي بقايا أجساد حبيبي القدوس والملاحسين ليكون تذكارا لزيارتك واجتهد أن ترجع قبل يوم النوروز حتى نحتفل سويا بهذا العيد وهوالعيد الوحيد الذي ربما لن أحضر خلفه في هذا العالم