سنّ البلوغ الشّرعيّ
"أَصْلُ كُلِّ الخَيْرِ هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ وَالانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ وَالرِّضَاءُ لِمَرْضَاتِهِ"
(حضرة بهاء الله, اصل كل الخير)
يعتبر الإيمان بالرسول الإلهي في كل عصر من العصور السماوية هو الهدف الغائي لخلق البشرية. ويعتبر الإيمان بحضرة بهاءالله في هذا العصر أول وظيفة روحانية تقع على عاتق كل انسان رغب في الوصول إلى خالقه، والهدف الغائي من خلقته في هذا الزمان، لأنه فقط من خلال قيامه بوظيفته الروحانية هذه، والتي تعتبر مصدر ومنشأ كل وظائفه الروحانية في هذا العالم وجميع العوالم الإلهية، يستطيع أن يفوز "بكل الخير" الذي قدره الخالق له. يتفضل حضرة بهاءالله في أول آية في الكتاب الأقدس " انّ اوّل ما كتب الله على العباد عرفان مشرق وحيه ومطلع امره الّذي كان مقام نفسه في عالم الامر والخلق من فاز به قد فاز بكلّ الخير والّذي منع انّه من اهل الضّلال ولو يأتي بكلّ الاعمال" . وقد حدّد حضرة بهاء الله سنّ البلوغ الشّرعيّ بخمسة عشر عاماً للذّكور والإناث على السّواء، لذا يجب على الفرد منذ لحظة وصوله إلى سن بلوغه الشرعي ب"بعرفان مشرق وحيه ومطلع أمره"، وهذا الفرد ذو الخامسة عشر من عمره هو في الواقع طفلنا الذي
ربيناه منذ نعومة أظفاره بحيثية تساعده على القيام بأول وأهم وظائفه الروحانية الجليلة كانسان ملكوتي سماوي
يتفضل حضرة بهاءالله في كتاب الأقدس " تزوّجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي". من أهم الوظائف الروحانية التي تقع على
عاتق الوالدين من تلك اللحظة التي يخلق فيها طفلهما هي تربية هذا الطفل تربية روحانية ملكوتية على مر الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنين إلى أن يصل إلى سن بلوغه الروحاني في الخامسة عشر من عمره. يتفضل حضرة بهاءالله "على الآباء أن يبذلوا قصارى جهدهم في تمسّك أبنائهم بالدّين وإتقان ذلك، فكلّ ولد انحاز عن الدّين الإلهي لا شكّ أنّه سوف لا يعمل برضى أبويه ورضى الله جلّ جلاله، والأعمال الحسنة كلّها تظهر بنور الإيمان وفي حال فقدان هذه العطيّة الكبرى (أي الإيمان) لا يأبى الإنسان ارتكاب أيّ عمل منكر ولا يُقبِل إلى أيّ معروف" ( من كتيب التربية والتعليم، ص 9 ). الهدف الغائي من خلق الانسان في هذا العصر هو الإيمان بحضرة بهاءالله إذ به يستطيع أن يفوز "بكل الخير" الذي قدره الخالق له. والهدف الغائي للوالدين من تربية طفلهما في هذا العصر هو مساعدة طفلهما على الوصول إلى الهدف الغائي من خلقته ألا وهو الإيمان بحضرة بهاءالله لأنه من خلاله إيمانه بحضرة بهاءالله يستطيع أن يفوز "بكل الخير" الذي قدره الخالق له
في بعض المناطق، تدعو المحافل الروحانية المحلية البهائية الأطفال الذين يصلون إلى سن بلوغهم الشرعي إلى إحدى اجتماعاتهم من أجل تهنئتهم بوصولهم إلى سن نضجهم الروحاني وأيضا لتعريفهم بقدسية العهد والميثاق الإلهي وبقدسية المؤسسات البهائية. في مناطق أخرى، ترسل المحافل الروحانية المحلية البهائية للأطفال الذين وصلوا إلى سن بلوغهم الشرعي بطاقة تهنئة من قِبَل المحفل ونسخة من إحدى الآثار البهائية. أما في مناطق أخرى فتفضل المحافل الروحانية المحلية أن تعلن في الضيافة التسع عشرية عن أسماء الأطفال الذين يحتفلون بسن نضجهم الروحاني في ذلك الشهر وتقدم لهم هدية رمزية، وبطاقة تهنئة ونسخة من إحدى الآثار البهائية
ولكن ماذا عن احتفال الوالدين بوصول طفلهما إلى سن بلوغه الروحاني؟ غالبا ما ينسى الوالدان في غمرة فرحتهما بعيد ميلاد طفلهما سنة بعد سنة، وفي كل سنة، وأيضا في هذه السنة التاريخية في حياة طفلهما التي ينتقل فيها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والنضج، غالبا ما ينسى الوالدان أن الاحتفال بعيد الميلاد يجب أن يعكس بُعداً روحانيا ملكوتيا، وبالخصوص في هذه السنة الجليلة، لأن هذا الطفل كائنٌ ملكوتيٌّ روحاني وليس كائناً مادياً دنيوياً. يحتاج التحضير لهذا الاحتفال الروحاني إلى شهور طويلة من المشورة بين الوالدين، ودراسة الآيات الإلهية والتفكير العميق في الهدف الغائي الذي خلق الانسان من أجله. ففي سن الخامسة عشر يقف الطفل على منعطف الطريق، وفي هذه اللحظة التاريخية المصيرية في حياته، يترك الوالدان يديه. فجأة، وبعد خمسة عشر سنة يجد الطفل يديه خاويتين من يدي والديه، هذا الفراغ في يديه ، وهو على منعطف الطريق بين الطفولة والنضج ، هي لحظة مصيرية ترسم ملامح هويته في جميع العوالم الالهية. في هذه اللحظة ومن إحدى متطلبات وصوله إلى سن بلوغه الروحاني ومن أول و أهم وظائف وصوله إلى نضجه ومن أعمق وأشد احتياجاته الوجودية هي أن يملأ هذا الطفل فراغ يديه من يدي والديه وذلك بأن يمد بيديه في تلك اللحظة التاريخية المصيرية في حياته ويمسك بيدي حضرة بهاءالله. عندها، وفقط عندها، يستطيع أن يطمئن قلب الوالدين بأن طفلهما في أمان، وأنه في رعاية المولى عز وجل. يحافظ الوالدان على سلامة طفلهما ويهتمان بتربيته منذ اللحظات الأولى من نشأته ولا يتمنيان شيئا في الحياة إلا الاستمرار في وظيفتهما الروحانية هذه اتجاه طفلهما. ولكن يمنح الله تعالى الوالدين هذه النعمة السماوية، والوظيفة الروحانية والأمانة الملكوتية لمدة خمسة عشر عاما فقط وبعد انقضاء المدة يتحتم على الوالدين إعادة أمانتهما الملكوتية بأحسن وجه إلى خالقه، ويتركا يديه ليمسك بيدي خالقه ويخطو دربه في رفقته. لهذا، يحتاج الوالدان إلى شهور طويلة من التحضير للاحتفال الروحاني بعيد ميلاد طفلهما الخامس عشر
عندما يرسل الوالدان طفلهما إلى رحلة طويلة بعيدة، فإنهما غالبا ما يزودانه بكل شيء يظنانه من المتطلبات الضرورية والأساسية لحفظه وسلامته، ومن أهم ما يزودانه به هي نصائحهما ودعائهما. غالبا، ينفطر قلب الوالدين حزنا ويدمي دما على فراق طفلهما، ويتمنيان أن يتحولا إلى شبح لامرئي ليحتويا طفلهما ويحمياه من كل مكروه في بُعده عنهما، أو أن يتحولا إلى ذرة صغيرة من التراب تسع في جيبه ليرافقاه أينما ذهب ويحفظانه من كل ألم، ويتمنيان أن يتحولا إلى ذبذبات صوتية تهمس أبداً في أذنيه بكل النصائح التي تضمن له السلامة وتنقذه من التهلكه . غالبا، ما يكون الفراق صعبا على الوالدين أكثر مما هو صعب على الأطفال ولهذا، منذ تلك اللحظة التي يعرف فيها الوالدان بحتمية مجيء ذلك اليوم الذي سيرافقان فيه طفلهما إلى مفترق الطريق ليسافر بدونهما إلى دروبه اللانهائية حتى يبدآ بتحضيره وتربيته وتدريبه بحيثية تضمن امتلاكه لكل ما سيحتاج إليه في دنياه وآخرته. هكذا يشعر الوالدان، فهما يتمنيان احتواء طفلهما في الدنيا والآخرة من شدة حبهما له. ويعرف الوالدان، منذ اللحظات الأولى لنشأة طفلهما في الرحم، بأن عليهما أن يتركا يديه في سن بلوغه الشرعي ليخطو بخواته المستقلة في العوالم الإلهية. ولهذا، ولعمق حبهمها له ورغبتهما في احتوائه وحمايته في الدنيا والآخرة، فإنهما لا يدخران وسعا في كل لحظة من لحظاته معهما في الخمسة عشر عاما في تربيته على اكتساب تلك الكمالات الروحانية التي ستهديه إلى أن يمد بيديه لحظة أن يترك طفولته ويدي والديه ليمسك بيدي حضرة بهاءالله. يعتبر سن البلوغ الشرعي بدايةً لارتباط روحاني أبدي بين طفلنا وحضرة بهاءالله، هذا الارتباط الذي حمّله حضرة بهاءالله مسؤوليته على عاتقنا في الكتاب الأقدس " تزوّجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي". وتعكس هذه المسؤولية الروحانية التي وهبنا إياها حضرة بهاءالله عمق حب حضرة بهاءالله لطفلنا، فهو بانتظاره لحظة أن يصل إلى الخامسة عشر ومن شدة حبه لطفلنا حمّلنا مسؤولية إيصاله إليه. ترى هل نستطيع أن نغفل لحظة عن وظيفتنا اتجاه طفلنا بعد ثقتنا بعمق حب حضرة بهاءالله وانتظاره له؟ وانطلاقا من انعكاسات هذا الحب الذي سيملأ حياة طفلنا نورا وجمالا، يستطيع الوالدان أن يبدآ التحضير للاحتفال بعيد ميلاده الخامس عشر
يعتبر أيام الهاء من أجمل الأيام التي يمكن للوالدين أن يبدآ فيها مظاهر الاحتفال بعيد ميلاد طفلهما الخامس عشرفي تلك السنة التي يحتفل فيها بوصوله إلى سن البلوغ الشرعي. وحيث أن شهر الصيام المبارك يلحق أيام الهاء، يستطيع الوالدان أن يشجعا طفلهما ، وخصوصا إن كان عيد ميلاده يقع في أحد الشهور التي تلي أيام الصيام وليس في الشهور التي تسبقها، يستطيع الوالدان أن يشجعا طفلهما على تلاوة دعاء الصيام في كل يوم من أيام الصيام. وتعتبر أيام الصيام أيضا فرصة مناسبة كي يشجعا طفلهما على ترديد ذكر «الله أبهى» 95 مرةً في اليوم قبل أن يبدأ رسميا بالقيام بوظائفه الروحانية لحظة وصوله إلى سن البلوغ الشرعي. بما أن أيام الهاء هي أيام الفضل والعطاء، فإن الوالدين يستطيعان تقديم هدية تعكس هذا الفضل الإلهي. يتفضل حضرة بهاءالله في الكتاب الأقدس "لا تحسبنّ انّا نزّلنا لكم الاحكام بل فتحنا ختم الرّحيق المختوم باصابع القدرة والاقتدار". كي يساعد الوالدان طفلهما، الذي وصل إلى مفترق الطريق الذي سينفصل فيه عن طفولته وتبعيته ليتحرك صوب نضجه و استقلاليته ، على ادراك مفهوم الرحيق المختوم والأحكام الإلهية، يستطيعان أن يقدما له هذه الهدية في أيام الهاء. الهدية عبارة عن صندوق جميل يشبه في هيئته صناديق الكنوز والجواهر. يحتوي صندوق الكنز هذا على كنز سماوي وهو الكتاب الأقدس. إذا كان الطفل متمكّن أيضا من اللغة الأنجليزية، فإنه يحبذ اهداءه نستختين من الكتاب الأقدس، النسخة الأصلية باللغة العربية والنسخة الإنجليزية التي ترجمها حضرة ولي أمر الله شوقي أفندي. ويحتوي هذا الصندوق أيضا على صورة لحضرة عبدالبهاء، ويستحسن أن تكون تلك الصورة التي يبتسم فيها حضرته، وعلى مسبحة صلاة بها 95 خرزا على عدد مرات الفرض اليومي لترديد ذكر الله ابهى. ثم يعطرجوف الصندوق بعطر الورد بطريقة ينتشر فيها عبق الورد في أرجاء الغرفة لحظة أن يفتح الطفل الصندوق. وأخيرا يملأ الصندوق بالورد بحيث يخفي تحته الكتاب الأقدس وصورة حضرة عبدالبهاء ومسبحة الصلاة. عندما يستلم الطفل هذه الهدية، ويفتح الصندوق لتصل إلى مشامه عبير الورد، ويمسك بكتاب الأقدس وينظر إلى وجه حضرة عبدالبهاء في حين ماتزال مشامه ثملة من فوحان عطر الورد، فإنه، وفي هذه اللحظة التاريخية في حياته، سيجرّب بحواسه الدنيوية الأسرار الملكوتية المنعكسة في كلمات حضرة بهاءالله
فتحنا ختم الرحيق المختوم. أما في يوم عيد ميلاده، فالإضافة إلى الهدايا الدنيوية، يستحسن أن يحصل الطفل أيضا على هدية تعكس مدى أهمية وصوله إلى سن النضج الشرعي كفرد بهائي. وهذه الهدية يمكنها أن تكون مساعدته على بدأ مشروع خدمة يشترك فيها مع أقرانه وأصدقائه وجيرانه. تعتبر مشاريع خدمة المجتمع من أهم العوامل التي ستساعد شبابنا الذين يحتفلون بعيد ميلادهم الخامس عشر، على تنمية ملكاتهم الانسانية وارتقائهم في ادراك هويتهم الروحانية