عَلَيْكُمْ بِالاسْتِقامَةِ ثُمَّ عَلَيْكُمْ بِالاسْتِقامَةِ لِئَلاَّ تَزَلَّ أَقْدامُكُمْ عَنْ صِراطٍ مُسْتَقِيْمٍ، قُلْ هَذا أَعْظَمُ وَصِيَّتِيْ وَأَكبَرُ أَمانَتِيْ لَكُمْ وَبَيْنَكُمْ أَنِ احْفَظُوْها ثُمَّ اجْعَلُوْها أَمامَ عُيُوْنِكُمْ وَاللهُ عَلَى ما أَقُوْلُ وَكِيْلٌ، إِنَّا وَصَّيْنا أَحِبَّائِي الَّذِيْنَ طارُوا فِيْ هَوائِيْ وَشَرِبُوا رَحِيقَ بَيانِيْ بِالاسْتِقامَةِ الْكُبْرَى فِيْ لَوْحِيْ وَوَرَقَتِيْ وَزُبُرِيْ وَصُحُفِيْ وَكُتُبِيْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلَمِيْ وَمِدادِيْ وَإِصْبَعِيْ وَيَدِيْ وَعَضُدِيْ وَأُذُنِيْ وَبَصَرِيْ وَشَعَراتِيْ وَجَوارِحِيْ وَلِسانِيْ النَّاطِقُ الأَمِينُ ... تَوَجَّهْ بِوَجْهِكَ الأَنْوَرِ إِلَى الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ وَقُلْ يا إِلهِيْ الرَّحْمنَ زَيِّنْ سَماءَ الْبَيانِ بِأَنْجُمِ الاسْتِقامَةِ وَالأَمانَةِ وَالصِّدْقِ وَالْوَفاءِ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُدَبِّرُ الْكَرِيمُ
( حضرة بهاءالله، لئالئ الحكمة المجلد الأول، 74)
في رسالة النيروز لعام 2025 أوضح بيت العدل الأعظم الدعائم الروحانية التي ترتكز عليها الأسرة البهائية. تمثل كل أسرة في كينونتها خلية من الخلايا التي يتكوّن منها المجتمع. ويتجلّى مقام الأسرة البهائية في كتاب الأقدس مرةً عندما يتفضل حضرة بهاءالله "تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي هذا من أمري عليكم اتخذوه لأنفسكم معيناً " ومرة أخرى عندما يُشبّه هذا الطفل المولود وكأنه أحد أبنائه بقوله " انّ الّذي ربّى ابنه او ابناً من الابنآء كانّه ربّى احد ابنآئي عليه بهآئي وعنايتي ورحمتي الّتي سبقت العالمين ". عندما يقرأ أي والدين هذه الآية الكريمة يتذكرون في قلبهم أبناء حضرة بهاءالله الذين ثبتوا على عهده وميثاقه ، وهم: حضرة عبدالبهاء، وحضرة بهائية خانم، وحضرة غصن الأطهر. هؤلاء هم أبناء حضرة بهاءالله ، وحاشا بالله أن يظن أي انسان في نفسه بأنه يربي ابنا من أبناء حضرة بهاءالله. ولكن يستطيع كل والدين أن يبذلا غاية جهدهما في تربية أطفالهما تربية روحانية بهائية حتى يصبح هؤلاء الأطفال مرايا تعكس صفات وخصائل وكمالات حضرة عبدالبهاء وحضرة بهائية خانم وحضرة غصن الأطهر. يتجلى في كتاب الأقدس إرادة الخالق من ولادة هذا المولود والهدف من نشأته في بيانه ل" يذكرني بين عبادي " . فهذه الآية الكريمة ترسخ دعائم الأسرة البهائية و فيها يسن حضرة بهاءالله وظيفة الوالدين اتجاه تربية أطفالهما تربية روحانية بهائية. ومن جهة أخرى يتجلى حب الخالق لهذا الطفل عند تشبيهه وكأنه ابن من أبنائه. يتفضل حضرة بهاءالله بهذا المقام العظيم على هذا الطفل الذي يولد ويُربّى تربية بهائية . ولحظة أن يدرك الوالدان مقام مولودهما على أنه أمانة حضرة بهاءالله في أسرتهم ستتجلى لهما قدسية حياتهم الأسرية البهائية
يحدد الأطباء وعلماء النفس ثلاث مراحل عمرية أساسية في نمو الطفل من الطفولة إلى مرحلة النضج. تبدأ المرحلة الأولى منذ لحظة ولادة الطفل وإلى الخامسة من عمره، وتبدأ المرحلة الثانية عندما يصبح عمر الطفل ست سنوات وإلى أن يصل إلى العاشرة من عمره، وأطول مرحلة من هذه المراحل العمرية هي المرحلة الثالثة وتعرف بمرحلة المراهقة. تبدأ هذه المرحلة عندما يصبح عمر الطفل أحد عشر عاما ولا تنتهي إلأ عندما يكمل نموه العقلي والعصبي في العشرينات من عمره، عندها فقط تنتهي مرحلة المراهقة ويصبح هذا الطفل فردا ناضجا. تتوضح أمام الوالدين الأسس التي يجب أن ترتكز عليها دعائم أسرتهما البهائية عند مقارنة هذه المراحل العمرية الأساسية في نمو الطفل من الطفولة إلى مرحلة النضج بخارطة الطريق الروحانية التي حُدّدت ملامحها في رسائل بيت العدل الأعظم. يعكس برنامج التربية الروحانية للطفل المراحل الثلاثة التي حددها الأطباء وعلماء النفس. ففي المرحلة الأولى، يقع على عاتق الأم تربية الطفل تربية روحانية بهائية إلى أن يصل إلى سن الخامسة من عمره. أما في المرحلة الثانية فيلتحق الطفل بصفوف الأطفال البهائية، ومن ثم في مرحلة المراهقة يلتحق ببرنامج الناشئين ويتخرج منها ليلتحق بدراسة كتب روحي من سن الخامسة عشر فما فوق
قبل أن يقرر الفلاح بزراعة شجرة تفاح في أرضه، يبدأ بتهيئة الأرض بحيثية تتحول إلى بيئة صالحة صحية مناسبة لزراعة بذرة التفاح فيها. و لا يدّخر الفلاح جهدا رغم مرور سنوات وسنوات طوال، في رعايته لهذه البذرة في جميع مراحل نموها من لحظة غرسها في باطن الأرض إلى أن تنبت أغصانها وأوراقها فوق سطح الأرض. ولولا أمانة الفلاح وصدقه واخلاصه في عمله لرعاية هذه البذرة ليلاً ونهاراً في جميع مراحل نموها لما قُدّر للبذرة أن تنتج ثمارا عندما يحين موعد اثمارها. يشبه الوالدان هذا الفلاح، إذ يقع على عاتقهما أن يشيّدا بيتا بهائيا يحتوي بأحضانه مولودهما ويربيانه بكل صدق وأمانة في جميع مراحل طفولته إلى أن يصل إلى مرحلة نضجه الإنساني وينتج ثمارا روحانية ملكوتية نورانية. تعتبر الاستقامة والأمانة والصدق والوفاء من أهم الشروط التي يجب على الوالدين اتباعها عند القيام بوظيفتهما الروحانية في تربية طفل ملكوتي يعكس في خصاله صفات وخصائل أبناء حضرة بهاءالله : حضرة عبدالبهاء وحضرة بهائية خانم وحضرة غصن الأطهر. كل شرط من هذه الشروط يمثّل عالما أبديّاً من التحدّيات والامتحانات التي يواجهها الفرد مع نفسه ومع خالقه ومع مجتمعه وأسرته، وقد يظن الفرد لوهلة بأنه قد أضاع خارطة الطريق في خضمّ هذه التحديات وهذا ما يحدث لكثير من الوالدين. إن أضاع الوالدان خارطة الطريق في المرحلة العمرية الثانية أو الثالثة، لا يحرم طفلهما كليا من الرعاية الروحانية إذ يمكن أن يحصل طفلهما على بعض احتياجاته العمرية في النمو الروحاني من المؤسسات التي تتوفر في المجتمع لتلبية هذه الاحتياجات مثل المدرسة أو دروس الأطفال البهائية أو دروس الناشئين أوالدورات التعليمية لمؤسسة روحي. ولكن، لا تقدر أي مؤسسة في المجتمع أن تقدم الرعاية الروحانية التي تقدمها الأم لطفلها في المرحلة العمرية الأولى إلى أن يصل إلى سن الخامسة من عمره
عندما وُلد طفلي ظننتُ بأنه سيحضر معه خارطة الطريق التي ستهديني إلى كيفية تربيته تربية بهائية روحانية، وصدمت كثيرا عندما لم أجد معه خارطة الطريق. فجأة أصبحتُ مسؤولة عن المحافظة على أمانة حضرة بهاءالله دون أن أعرف شيئا عن حيثيات وظيفتي ولا نحوية القيام بها. واستمريت بالدعاء ليهديني الله إلى خارطة الطريق التي يجب أن أتبعها في تربية طفلي تربية روحانية في الخمس سنوات الأولى من عمره. ومع الدعاء بدأتُ رحلتي للبحث عن خارطة الطريق، لم أكن أملك في هذه الرحلة الصعبة سوى بوصلة حضرة عبدالبهاء عن وظيفتي الروحانية بتربية طفلي تربية بهائية . في البداية، عندما بدأت هذه الرحلة مع طفلي لم أكن أعرف أي طريقٍ عليّ أن أسلكه رغم أنّي كنت أعرف بأنه يقع على عاتقي أن أسلك طريقاً ينمو فيه طفلي في هويته الروحانية في المرحلة العمرية الأولى من كينونته الوجودية. ومع استمراري بالدعاء بدأت البوصلة بهدايتي اتجاه الطريق الذي يجب عليّ أن أسلكه مع طفلي. بقي الطريق غير واضح في ملامحه ولكن أصبح الاتجاه واضحا، فأي طريق كنت سأسلكه مع طفلي كان يجب عليه أن يصلنا في نهايته إلى الحصول على رضاء حضرة بهاءالله. وشيئا فشيئا بدأت تتوضح ملامح خارطة الطريق بمرور الزمان، إذ يجب أن تؤدي كل الطرق إلى مركز واحد، وهو الحصول على رضاء حضرة بهاءالله. في كثير من الأحيان، في خضم تحديات الحياة وامتحاناتها، تنجرف من بين يديّ الوالدين خارطة الطريق، في
خضم هذه التحديات علينا بالإستقامة في رحلتنا اتجاه المركز
أَيْ رَبِّ وَفِّقْنِيْ عَلى الاسْتِقامَةِ عَلى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلى ما تَشاءُ وَفِيْ قَبْضَتِكَ أَزِمَّةُ الأَشْياءِ
|
|