إن هذا المظلوم في جميع الأحوال من الشدة والرخاء والعزة والعذاب أمر الكل بالمحبة والوداد والشفقة والإتحاد
حضرة بهاءالله- الكلمات الفردوسية
عندما نتحدث عن تربية اطفالنا بنحوية تتوافق مع التعاليم الإلهية فإننا في الواقع نتحدث عن منهج حياتي تحدد اطار يومهم من لحظة الاستيقاظ وإلى موعد خلودهم الى النوم. ولأن المنهجية الروحانية في التربية لا تتجزأ، لذا لا نستطيع كوالدين أن نمارس التربية الروحانية في بعض الأمور ونتجاهلها في أمور أخرى كما لا يمكننا أن نسلك مسارا تقودنا إلى هدفنا التربوي في بعض الوقت ونحيد عن اتجاهنا في اوقات أخرى. فالزمن اليومي لا يتجزأ من بدايته إلى نهايته ، فالسادسة صباحا جزء مهم وأساسي من تكوين الزمان اليومي كأهمية وقت الظهيرة وكأهمية الساعة السادسة مساء، وعلى هذا المنوال فإن التربية الروحانية كل لا يتجزأ خلال الزمان اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي والعقدي
تولد المنهجيات ، سواء أكانت منهجية حياتية أو علمية أو تربوية أو روحانية ، من رحم الإستمرارية ، فمن غير الإستمرارية لا تتحدد ملامح أي منهجية أو هويتها. لحظة أن يختار الوالدان المنهجية التربوية التي يرغبان على أسسها خلق هوية طفلهما عندها تصبح "الإستمرارية" هي العامل الأساسي لتحقيق النتائج التي يصبوان إليها. و عند اختيار الروحانية منهجا حياتيا لتربية الطفل، تصبح الإستمرارية الزمانية من أهم عوامل خلق الهوية الروحانية في الطفل . وبما أن الروحانية هي انعكاس النور الإلهي في مرآة قلب الانسان، وبما أن النور الإلهي في كل عصر هي التعاليم الملكوتية التي يأتي بها رسول ذلك العصر للبشرية ، فإن الروحانية في عصرنا تسطع مشرقة في مرآة البشرية من خلال أنوار التعاليم الملكوتية لحضرة بهاءالله . ومن هنا، إن اختار الوالدان المنهجية الروحانية لتربية طفلهما، فإن عليهما بالتعاليم الملكوتية لحضرة بهاءالله ، رسول السماء إلى البشرية في هذا الزمان ، لتنير وجودية طفلهما وتسطع من مرآة قلبه أنوار الملكوت الإلهي. فقد جاء حضرة بهاءالله بالتعاليم الملكوتية لمنهجية روحانية تحول البشرية ،ان اتبعت هذه المنهجية السماوية، إلى مرايا تسطع مشرقة بالنور الإلهي
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هو تحديد هوية وماهية هذا النور الذي يسمى بالنور الإلهي؟ من البديهي أن يعجز المخلوق عن معرفة هوية وماهية الخالق وكنهيته، وبالتالي من معرفة هوية وماهية وكنهية نوره، لذا سيبقى هذا السؤال سؤالا أزليا في صفحات الزمان البشري يعكس عجزنا الانساني أمام الكمال الإلهي. ولكن، وإن لم نستطع بعجزنا أن ندرك هوية وماهية وكنهية الخالق ونوره، إلا أننا نستطيع أن ندرك تلك الخواص التي يستحيل أن تكوّن كنهية النور ويستحيل أن تحدد هويته ويستحيل أن تعكس ماهيته. باختصار، وإن استحال علينا أن ندرك ماهية النور الإلهي، الا أننا قادرون على معرفة كل ما يستحيل أن يكون خاصية من خواص النور. ومن هذا المنطلق، فإن السؤال الازلي الذي يفرض نفسه علينا هو تحديد ما إذا كان القتل والتدمير والتعصبات والحرب والجهل والفقر والتبعية العمياء واغتصاب الحريات وتحقير الاخرين و..و..و.. هي من خواص النور الإلهي
من أحد اسس المنهجية الروحانية التي جاء بها حضرة بهاءالله هي دعوته لنا في كتاب الأقدس بأن نبدأ يومنا وننهيها بتلاوة الآيات الإلهية " اتلوا آيات الله في كل صباح ومساء"، لذا فإن الوالدين اللذين يختاران الروحانية منهجا لتربية طفلهما سيربيان طفلهما على أن يبدأ يومه في السادسة صباحا بتلاوة الآيات الإلهية. فعلى سبيل المثال إن اختار الوالدان الآية التالية من الكلمات الفردوسية لطفلهما كي يبدأ بها صباحه حيث يتفضل حضرة بهاءالله في الورق الحادي عشر من الفردوس الأعلى ص 91 " إن هذا المظلوم في جميع الأحوال من الشدة والرخاء والعزة والعذاب أمر الكل بالمحبة والوداد والشفقة والإتحاد" فسيتحتم عليهما أن يستمرا في خلق هوية طفلهما على هذه المنهجية الروحانية المتمثلة في هذه الآية الإلهية في الساعة الثانية عشر ظهرا والساعة الرابعة مساء والساعة السابعة مساء وإلى تلك الساعة التي ينتهي فيها الزمن اليومي وينام فيها طفلهما. فالتربية الروحانية التي يبدأ بها الطفل يومه في السادسة صباحا كلٌّ لا يتجزأ من تكاملية الزمن اليومي الذي يعيشه الطفل من الصباح إلى المساء. وعلى امتداد الكينونة الزمنية للطفل فإن التربية الروحانية في الزمن اليومي كلٌّ لا يتجزأ من تكاملية الزمن الأسبوعي والشهرى والسنوي والعقدي. لتحقيق الإستمرارية يشترط ان لا يتجزأ الزمن اليومي إلى أجزاء يتناقض بعضها مع البعض الآخر. وحيث أن المنهجية تولد من رحم الإستمرارية، تصبح الإستمرارية الزمانية من أهم عوامل خلق
الهوية الروحانية في الطفل
يهدف الوالدان من تربية الطفل روحانيا خلق كينونة انسانية تعكس النور الالهي في مرآة وجوديته. غير أن المشكلة الأزلية التي تواجهنا هي عجزنا البشري الأبدي في ادراك ماهية النور الإلهي . وهكذا ترتكز محور التحديات في ايجاد تلك المنهجية التربوية التي يشترط على الوالدين انتهاجها للوصول إلى هدفهما التربوي هذا . ولكن بما أن النور الإلهي في كل عصر يعكس من خلال التعاليم الملكوتية التي يأتي بها رسول ذلك العصر للبشرية ، فإن الروحانية في عصرنا تسطع مشرقة في مرآة البشرية من خلال أنوار التعاليم الملكوتية لحضرة بهاءالله. ومن هنا يتحتم علينا معرفة إن كانت التعاليم الملكوتية لحضرة بهاءالله تكوّن منهجا كاملا كلّيا أم أنها تعاليم جزئية ترتبط باللحظية الزمانية والمكانية؟ فعلى سبيل المثال هل آية حضرة بهاءالله " إن هذا المظلوم في جميع الأحوال من الشدة والرخاء والعزة والعذاب أمر الكل بالمحبة والوداد والشفقة والإتحاد" تعتبر كلّاً لا تتجزأ من المنهجية الروحانية التي جاء بها حضرته أم أنها تعتبر جزئية لحظية خارج مدار الإستمرارية الزمانية والمكانية؟ بمعنى آخر، كيف ينظر الوالدان إلى كنهية التربية الروحانية لحضرة بهاءالله ؟ فعلى سبيل المثال إن قرر الوالدان تلاوة هذه الآية المباركة مع طفلهما في السادسة صباحا من يوم الإثنين في شهر سبتمبر من سنة 2017 فهل يعتبران تعاليم حضرة بهاءالله " بالمحبة والوداد والشفقة والإتحاد" تعاليما جزئية مرتبطة بزمن السادسة صباحا وبمكان البيت أو البيئة المعيشية التي يتواجد فيها الطفل أم ينظران إلى تعاليم حضرته "بالمحبة والوداد والشفقة والإتحاد" على أنها منهج كامل كلي يتعدى لحظية الزمان والمكان ؟ كيف يربي الوالدان طفلهما على "المحبة والوداد والشفقة والإتحاد" في الزمن اليومي في السادسة صباحا و في العاشرة صباحا وفي الثانية عشر ظهرا وفي الرابعة مساء وفي السادسة مساء وفي الزمن المستقبلي بغده وبعد غده وفي اسبوعه وشهره وسنينه ؟ وكيف يربي الوالدان طفلهما على "المحبة والوداد والشفقة والإتحاد" في المكان الواقعي والإفتراضي الذي يعيش فيه طفلهما خلال زمنه اليومي والمستقبلي ؟ هل يربي الوالدان طفلهما على "المحبة والوداد والشفقة والإتحاد" في بوتقة تحددها جزئية مكانية وزمنية؟ فمثلا يربيان طفلهما أن يتعامل بالمحبة والشفقة مع أصدقائه في المدرسة في العاشرة صباحا ، فيقولان له: " لا تضرب أصدقاءك وزملاءك، وساعدهم أن احتاجوا إليك"، ثم في الثانية عشر ظهرا عندما يرجع إلى البيت يضعان في يده لعبة الكترونية حربية يكون فيها طفلهما البطل الخارق الذي يدمر بزر صغير في جهازه العالم الإفتراضي الذي يعيش فيه ويسمحان له باللعب بهذه اللعبة التدميرية لعدة ساعات. ومن هنا فإن محور السؤال يتمركز حول جدوية المنهج الروحاني البهائي الذي اختاره الوالدان لتربية طفلهما: فهل الألعاب الإلكترونية التي تملؤها الضرب والقتل والتدمير هي انعكاس للتعاليم الروحانية البهائية التي تتمحور حول المحبة والإتحاد؟ ألا يعتبر هذا انزلاقا حادا عن مسار المنهجية الروحانية التربوية؟ و بعد انتهائه من اللعب بلعبته الإلكترونية، في الرابعة مساء، يسمح الوالدان لطفلهما بمشاهدة الرسوم المتحركة دون أي رقابة أو متابعة لافتراضهما على أنها برامج خصصت للأطفال متناسين بذلك أن أغلب الرسوم المتحركة قد صنعت من قبل أشخاص غير متخصصين في التربية والتعليم أو في تربية الأطفال ناهيك عن عدم معرفتهم بالمنهج الروحاني البهائي للتربية والتعليم. فيشاهد الطفل لمدة ساعتين من زمنه اليومي سلسلة لا نهائية من الضرب والانتهاك والتدمير
كثيرا ما يختار الوالدان المنهجية الروحانية البهائية لتربية طفلهما ، ولكن يبقى هذا الإختيار في الحيز النظري. فبين زمني تلاوة الآيات الإلهية في الصباح وتلاوة الآيات الإلهية في المساء، ما يعيشه الطفل في بيئته العملية والإفتراضية هو انعكاس مباشر للعالم الذي يحيط به بدلا من أن يكون انعكاسا للتعاليم الروحانية لحضرة بهاءالله
على ضوء أن المنهجيات تولد ، سواء أكانت منهجية حياتية أو علمية أو تربوية أو روحانية ، من رحم الإستمرارية ، كان من اشد التحديات التي واجهتها في تربيتي لإبني هي نحوية تعليمه للعبة الشطرنج بحيثية تعكس التعاليم الملكوتية لحضرة بهاءالله بدلا من كل هذا التخطيط للقتل والتدمير والإحتلال واستخدام كلمات تعكس العنف مثل " ساقتلك أو سأقتل ملكك أو فيلك أو...". مؤلم ما أشاهده من عمق التغيير اللفظي والفكري الذي يعكسه ابني كلما لعب الشطرنج معي أو مع والده. فكل حركة يقوم بها على لوحة الشطرنج يسبقه تفكير ورغبة عظيمة في قتل خصمه والإنتصارعليه. وكلما لعبت معه هالني عدد المرات التي نستخدم فيها كلمة " قتلتك أو قتلت قلعتك أو وزيرك أو..." قد يصل عدد مرات استخدامنا لكلمة القتل إلى 31 مرة في اللعبة الواحدة. هالني حالة التناقض الذي يعيشه ابني في هذه المنظومة التربوية، ففيما اقرأ على مسامعه في الصباح آية حضرة بهاءالله " إن هذا المظلوم في جميع الأحوال من الشدة والرخاء والعزة والعذاب أمر الكل بالمحبة والوداد والشفقة والإتحاد" أعلمه القتل والتخطيط لسحق من أمامه في المساء من خلال لعبة الشطرنج. في منظومة اختيارالوالدين للمنهجية الروحانية البهائية لتربية طفلهما، يحتاج الوالدان إلى اتباع نهج الإستمرارية . ومازال السؤال قائما حول نحوية تعليم اطفالنا للعبة الشطرنج بحيثية تعكس التعاليم الملكوتية لحضرة بهاءالله بدلا من كل هذا التخطيط للقتل والتدمير والإحتلال واستخدام كلمات تعكس العنف والقتل