أنّ هذا العالم الذّي لا يتناهى كهيكل الإنسان وجميع أجزائه مرتبط بعضها ببعض ومتسلسلة في نهاية الإتقان، يعني كما أنّ أعضاء هيكل الإنسان وأركانه وأجزاءه ممتزجة متعاونة ومتعاضدة ومتأثّر بعضها ببعض كذلك أجزاء هذا الكون الذّي لا يتناهى كالهيكل الإنسانيّ أعضاؤه وأجزاؤه مرتبط بعضها مع بعض ومتأثّر بعضها ببعض معنىً وجسماً، مثلاً العين تنظر فيتأثّر جميع الجسم والأذن تسمع فتهتزّ جميع الأركان، وليس في هذه المسألة شبهة، لأنّ عالم الوجود أيضاً كالشّخص الحيّ، فالارتباط الذّي بين أجزاء الكائنات من لوازمه التّأثير والتّأثر سواء أكان ذلك جسمانيّاً أو معنويّاً
من مفاوضات حضرة عبدالبهاء ص 182
| يؤثر المزاج السلبي والأفكار السلبية بطريقة مباشرة على أحاسيس الطفل وتصرفاته. في أغلب الأحيان لا يلتفت الوالدان، وبالأخص الأم للموجات السلبية التي تكبل بها وجودية طفلها وتظن واهمة بأنها إن لم تتحدث عن مشاعرها السلبية وإن تظاهرت العكس وأخفت وجهها تحت قناع من التصنع فإنّ ترددات أمواج سلبيتها ستبقى في دائرتها الشخصية. يتفضل حضرة عبدالبهاء أن" الارتباط الذّي بين أجزاء الكائنات من لوازمه التّأثير والتّأثر سواء أكان ذلك جسمانيّاً أو معنويّاً"، وينطبق ما يتفضل به حضرة عبدالبهاء هنا على التأثيرالذي يتركه الوالدان على طفلهما سواء أكان هذا التأثير إيجابيا أوسلبيا. تؤثر الأم في طفلها في مراحله العمرية الأولى بدرجة أعمق من العلاقات الإجتماعية الأخرى التي ينشؤها الطفل مع من حوله وذلك لوجودها الدائم بصفة خاصة في دائرته: ويتأثر الطفل بكل الترددات والذبذبات الداخلية التي تعيشها أمه، فإما أن تغمر كيانه في بحر من الترددات الإيجابية أوأن تسجنه في غرفة مظلمة وتدمي وجوديته بذبذباتها السلبية لا يشكل الكلام السلبي الذي يسمعه الطفل حول موضوع معين أو نشاط ما الخطورة ذاتها التي تشكّلها السلبية المقنعة. ففي الأولى، يسهل تحديد مكمن الداء ومن ثم البحث عن الطرق العملية لعلاج الآثار المدمرة في الطفل بينما في الأخرى يبقى الداء مجهولا حتى عن صاحبه. فعلى سبيل المثال، إذا سمع الطفل والديه يتكلمان بالسلبية عن أحد معلميه فإنه سيتأثر بكلامهما وستتحدد مشاعره اتجاه معلمه بكيفية تعكس مباشرة أحاسيس وآراء والديه ، ولكن هنا ما يزال الوالدان يملكان فرصة لدرء خطر سلبية آرائهما على وجودية طفلهما وذلك من خلال تغيير منهجية حديثهما عن هذا المعلم. وتعتبر الكيفية التي يعكس بها الطفل تصرفاته وأحاسيسه صوب هذا المعلم من الجلاء والوضوح بحيث لا يترك شكا من أنه نتاج مباشر لتأثره بآراء والديه. بينما تعتبر السلبية المقنعة من إحدى أنماط التأثر السلبي الذي يشل وجودية الطفل من النمو السوي دون أية عوارض ظاهرية، ويشبه هذا كمن يدفن طفلا وهو حي في التراب، فيبدأ بقدميه، ثم رجله، ثم جسمه، ثم يديه، ثم رقبته، ثم رأسه، فمه، أنفه، عينه إلى أن تختفي كل مظاهر الحياة تحت أكوام التراب. فكما أن الطفل هنا لا يدرك هول الموت إلا بعد أن يموت، كذلك في السلبية المقنعة، لا يلتفت أحد إلى آثارها القاتلة إلا بعد أن يموت من الطفل كمال انسانيته ويتحول وجوديته إلى طاقة تولد ذبذبات امتدادية للسلبية المدمرة من إحدى الأمثلة على السلبية المقنعة التي يؤثر بها الوالدين على طفلهما هي أفكارهما الدفينة السلبية صوب الحلقات الدراسية الروحية والأخلاقية للأطفال ومشاعرهما السلبية الرافضة اتجاه التحاق طفلهما بإحدى هذه المجموعات الدراسية. فبالرغم من أن الوالدين يقنّعان هنا أفكارهما ولا يعلنا عنها بصورة واضحة ومباشره لطفلهما أويناقشانها أمامه في حديثهما مع الآخرين ، إلا أن الطاقة السلبية الهائلة التي تنتج عن أفكارهما تصل ذبذباتها القاتلة إلى وجودية طفلهما دون أي علم منهما، وهنا يكمن الخطر، إذ يجهل الوالدان من أنهما السبب المباشر فيما يعانيه طفلهما. فيبدأ الطفل بعد فترة من الزمان بالتذمر أو التملل من حضور دروس الأطفال، أو يفتعل الأسباب التي تضمن خروجه من الدرس أو تضمن عدم ذهابه في المرات اللاحقة. قد لا تنبع أحاسيس الوالدين السلبية بالتحديد من فكرة دروس الأطفال أو من التحاق طفلهما بإحداها، بل قد تنبع من رغبتهما في الذهاب إلى المسبح أو إلى الحديقة أو ممارسة أي نشاط آخر بدلا من اصطحاب طفلهما إلى مجموعته الدراسية وتضييع ساعتين من الزمان مثلا في انتظاره فتتولد وتتجذر في أعماق الأب أو الأم أحاسيسا سلبية تصل تردداتها إلى الطفل وتسيطر على ذهنه وتتحكم في ترسيم خارطة أحاسيسه اتجاه مجموعته الدراسية. ثم يسمع السؤال الذهبي من أمه مثلا: هل تريد اليوم أن تحضر حلقتك الدراسية أم تفضل أن نذهب إلى المسبح؟ وسيجيب الطفل في دوامة الذبذبات السلبية الدفينة التي استقبلها من أعماق أمه بالإضافة إلى رغبته الحيوية ككل طفل يعشق السباحة واللعب بأنه يرفض تماما الذهاب إلى الدرس ولا يريد شيئا سوى الذهاب الى المسبح. ومن الجدير بالذكر، أن الوالدين قد يضيقان ذرعا من استمرار طفلهما فيما بعد في رفضه لحضور حلقاته الدراسية وهنا يبدآن في التذمر علنا من فشل هذه الحلقات الدراسية في التأثير إيجابيا على طفلهما وتشجيعه على استمراريته بها. من أحد النتائج المستقبلية المحتملة لتفضيل الوالدان الذهاب إلى المسبح مثلا بدلا من اصطحاب طفلهما إلى مجموعته الدراسية هي أن ينموفي هذا الطفل سلبيته اتجاه المؤسسات الإدارية أو حضوره لجلسات الضيافة التسع عشرية ولكن دون أن يعلم حقا مصدر مشاعره السلبية. غالبا، لا تدرك الأم ولا يدرك الأب الأثر العميق الذي يتركانها في وجودية طفلهما الذي يتعرض باستمرار لترددات مشاعرهما السلبية المقنعة |